لم
يطل الحديث بينهما حتى رأيت الأول تتسلط عليه أنفة شديدة.. ثم يمد يده يريد أن
يبطش بمحدثه.. لولا أنه حمى نفسه عنه..
فلم
يجد الأول إلا أن يكفهر بوجهه، ثم يدخل قصره، وهو ممتلئ كبرياء وغرورا.. بل كأن
جميع الغرور والكبرياء ركبتا فيه.
امتلأت
حزنا على الثاني.. واقتربت منه لأسليه، فقال: لا تسليني أنا.. فهو أحوج مني إلى
التسلية.
قلت:
ما تقول.. الناس عادة يسلون المستضعفين لا المستكبرين..؟
قال:
ذلك لعدم علمهم بحقيقة الإنسان.. ولو علموا حقيقته لم يجدوا إلا أن يسلوا
المستكبرين.. ذلك أن كل مستكبر يحمل في حقيبة نفسه المملوءة بالغرور جميع السموم
التي لا دور لها إلا الإجهاز عليه.
قلت:
كيف ذلك؟
قال:
ألم يخلق الله الإنسان من تراب؟
قلت:
بلى.. فقد قال تعالى :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا
أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ (الروم:20)، وقال مخبرا عن حديث الرجل المؤمن مع
صاحبه الممتلئ بالغرور :﴿ قالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ
بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا﴾
(الكهف:37)