لقد
روي في الأخبار أن سعيد بن جبير قال للحجاج عندما هدده الحجاج بالقتل:( لو علمت أن
الموت والحياة في يدك ما عبدت إلها غيرك)
انظروا
إلى هذا الموقف الشجاع من سعيد.. إنه لولا إدراكه أن ما يتشبث به الحجاج من قوة
وهم عظيم سكن عقله، فالله تعالى هو مالك الآجال، لا الحجاج ولا أي طاغية غيره،
فمن
اعتقد بما في قوله تعالى :﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34)﴾ (لأعراف)، وما في قوله :﴿
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ
أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا
يَسْتَقْدِمُونَ(49)﴾ (يونس)، وما في قوله :﴿.. فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)﴾ (الأعراف) لا تصيبه أدنى
مخافة، ولا أدنى جبن.
ذلك
أنه لا يفر من الموت إلا من سيطر عليه وهم الخوف، فمنعه من التفكير السليم، قال تعالى
:﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ
تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)﴾ (الجمعة)، وقال :﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ
الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ..(78)﴾ (النساء)، وقال :﴿.. يَقُولُونَ
لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ
كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى
مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي
قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)﴾ (آل عمران)
بل
إن الإيمان ليصل بصاحبه إلى مرتبة أعلى وأشرف، وهي المرتبة التي يرى فيها المؤمن
الموت الذي يخافه الجبان بصورة المحل الذي يلقى فيه كل ما هفت إليه نفسه في الدنيا
وقصرت عنه