الفهوم المستوحاة
من الذكر ما يمتلئ به القلب والعقل وجميع الوجدان مما لم ألحظ مثله في أوراد أي
دين من الأديان، ولا ملة من الملل.
لقد شعرت أن محمدا (ص) استطاع أن يعبر عن المعارف العظيمة التي تنقطع للوصول إليها
أعناق الرجال، وتشح دون التعبير عنها أودية البلاغة في جمل قصيرة يسيرة لذيذة،
تحمل من روعة البيان والموسيقى ما ينسجم مع معانيها الرفيعة.
وشعرت في نفس الوقت بالفرق
العظيم بين تلك الألغاز والشطحات التي قد يتفوه بها من يدرك معانيها ومن لا يدرك
وبين التعابير النبوية الواضحة التي ينهل منها الخواص والعوام كل بحسب طاقته،
وبحسب همته.. فالماء واحد.. والشارب متعدد.
ما انتهينا من الطواف على
تلك المجالس حتى أذن المؤذن لصلاة العصر.. فلم أجد نفسي إلا واقفا مثل المسلمين
أصلي كما يصلون، وأقرأ كما يقرأون.. ولم أدر حينها هل كنت مسلما كالمسلمين.. أم
كنت مجرد ممثل يحاول أن يمارس كل طرق الاحتيال للوصول إلى غايته.. ولكن الذي أدريه
أني بعد استماعي لكل تلك الأذكار صار لي من الشفافية الروحية ما أدرك به قيمة
الصلاة.. وكأن تلك الأذكار الراقية ممهدات تعلمنا كيف نتصل بالله، وكيف نتأدب بين
يديه.
بعد صلاة العصر.. رأيت
القوم يجبتمعون في حلقة واحدة.. فسألت جعفرا: ما هذا.. كيف تجمعوا، وقد كانوا
مفترقين؟
قال: لقد كانوا مفترقين
بحسب الذكر العام.. فالذكر العام لا وقت محدد له، ولا صيغة تحكمه، فهو نوع من
الدواء يتناسب مع حاجات القلوب المختلفة.. فمن غلب عليه التشبيه أكثر من التسبيح..
ومن غلب عليه الشرك أكثر من التهليل.. ومن أراد أن يملأ قلبه بعظمة الله أكثر من
التكبير.. ومن أراد أن يملأه بفضل الله عليه وعلى كل شيء أكثر من الحمد.. ومن أراد
أن يحصل كل ذلك جمع كل ذلك.. ومن أراد غير ذلك وجد في الأذكار النبوية ما يشفي
غليله، ويسد حاجته.
قلت: لقد رأيت ذلك في تلك
التعابير الجميلة التي كانوا ينطقونها..
قال: ويداوون قلوبهم بها..
فلا تداوى القلوب إلا بذكر الله.
قلت: حدثتني عن سر
افتراقهم.. فما سر اجتماعهم؟
قال: هم إخوان في الله..
يجتمعون على ذكر الله.. ويفترقون على ذكر الله.. وهم الآن يجتمعون ليؤدوا ذكرا من
الأذكار الخاصة التي سن لها النبي a أوقاتا
معينة، أو