أما إذا رأيته وهو محصور
مع ذَويه في شِعْب أبي طالب، وقد مُنِعَ دخول الطعام والشراب إليه من الخارج؛
فكأنك ترى يوسف الصِّدّيق وهو في سِجْن مِصر يعاني شدائد الظالمين ويكابدها.
إن موسى قد جاء بالأحكام،
وداود امتاز بدعاء الله والتغني بمُناجاته، والمسيح بُعِثَ ليعلِّم الناس مكارم
الأخلاق والزُّهد في الدنيا، وأما محمد فقد جاء بكل ذلك: بالأحكام، ودعاء الله،
والتوجيه إلَى مكارم الأخلاق، والحض علَى الزُّهد في الدنيا وزينتها، وكل هذا تجده
في القرآن لفظًا ومعنى، وفي السيرة المحمدية قُدْوة وعملًا.
***
ما وصل السيد سليمان من
حديثه إلى هذا الموضع حتى ارتفع الآذان.. وقد شاء الله أن لا نسمع منه إلا (محمد
رسول الله).. فصاح الجمع ـ بمختلف طوائفهم ـ من غير شعور (محمد رسول الله).. وصحت
معهم بها.. فتنزلت علي حينها أنوار لو كانت بحار الدنيا مدادا، وأشجارها أقلاما،
واجتمعن ليعبرن عنها ما أطقن.
في ذلك المساء.. رأيت
مشهدا لن أنساه طول عمري.. سأذكره لكم كما شاهدته.. وليس عليكم أن تصدقوني.. فحسبي
أن أقول لكم بأن حلاوته لم تغادرني مذ رأيته.
في ذلك المساء.. وبعد أن
صليت أول صلاة صادقة، وتوجهت أول توجه صادق.. بعد أن استلمت مفتاح (محمد رسول
الله) رأيت ذلك المشهد العجيب.
قلنا: ماذا رأيت؟
قال: رأيت جمعا كبيرا من
الأولياء والقديسين والصديقين.. كلهم ترتسم على وجوههم سرج النور الخالص.. يقفون
في صعيد واحد.. ثم نادى أحدهم على اسمي.. فصعدت على المنصة كما يصعد من يراد
تكريمه.
في تلك المنصة رأيت رجلا
له من الأنوار ما لا يمكن وصفه، تقدم مني، ثم ألبسني تلك الحلة التي كنت قد حدثتكم
حديثها.. ثم قال لي: أنت من اليوم لست فلانا.. وإنما أنت محمد الوارث..
صحت فرحا: الوارث.. هل
أصبحت وارثا؟
قال: أجل.. كل من سار في
طريق الله.. وبحث عن أهل الله.. لم يختم له إلا بهذا.