قال: ولهذا امتلأت عجبا
عندما رأيت أن الله وفر لمحمد حياة جامعة؛ يجد فيها الناس كلهم علَى اختلاف
طوائفهم الأسوة الكاملة في جميع ألوان الحياة وأطوارها.. لقد رأيت أنها تشبه
الباقة الجامعة لكل أصناف الزهور والورود بجميع ألوانها؛ ففيها الأحمر القاني،
والأبيض الناصع، والأخضر الناضر، والأصفر الفاقع.
لقد بحثت في حياة سائر
العظماء.. فلم أجد هذه الصفة إلا عند محمد..
لقد رأيت أن حياة موسى
تمثِّل القوة البشرية العظيمة والبطش الشديد، لكني لم أر في المأثور عنه ما تكون
لنا فيه الأسوة من ناحية دماثة الخلق وخفض الجَناح وسجاحة النفس وسماحتها.
ورأيت في حياة المسيح
نماذج لسماحة النفس ورقة الطبع ودماثة الخلق ولين الجانب؛ لكني لم أجد ـ فيما وصل
إلينا من أخلاقه وأعماله ـ تفاصيل عن شؤون حياته وأسرته؛ تحرك ساكن القوى، وتثير
كوامن النفس، وتنبه القوى المتراخية.
مع أن الإنسان في حياته
محتاج إلَى هذا وهذا؛ فكما يحتاج إلَى ما يهدئ ثائر قواه ويسكن جائشها؛ يحتاج كذلك
إلَى ما يثير الكامن من هذِهِ القوى ويهيج ساكنها وينبه المتراخي منها.
إنه في حاجة إلَى حياة
يتخذها قدوة له في هاتين الحالتين المختلفتين، علَى أن يكون بيَد صاحبها ميزان
العدل بالقسط تستوي كفتاه، ولن تجد الجمع بين هاتين الخصلتين المختلفتين جمعًا
قويمًا عزيز الوجود إلَّا في حياة محمد؛ فإنه هو الَّذِي مَثَّلت حياته أعمالًا
كثيرة متنوعة بحيث تكون فيها الأسوة الصالحة، والمنهج الأعلى للحياة الإنسانية في
جميع أطوارها؛ لأنها جمعت بين الأخلاق العالية، والعادات الحسنة، والعواطف النبيلة
المعتدلة، والنوازع العظيمة القويمة.
كان الواعظ الذائع الصيت
الأستاذ حسن علي يُصْدِر في (بتنه) قبل خمسين عامًا مجلة (نور الإسلام)، وقد قال
في جزء منها: إن صديقًا له من البراهمة قال له: إني أرى رسول الإسلام أعظم رجال
العالم وأكملهم؛ فقال له الأستاذ حسن علي: وما هي منزلة المسيح عيسى ابن مريم عندك
من رسول الإسلام؟ فأجابه: إن المسيح ابن مريم عندي في جانب محمد كمِثل ولد صغير
يتكلم بكلام عذب، ويتحدث حديثًا حلوًا عند أعقل أهل زمانه وأكثرهم حَزْمًا.. ثم
سأله حسن علي: وبماذا كان رسول الإسلام عندك أكمل رجال العالم؟ فأجاب: لأني أجد في
رسول الإسلام خِلالًا مختلفة، وأخلاقًا جمّة، وخصالًا كثيرة لم أرها اجتمعت في
تاريخ العالم لإنسان واحد في آن واحد؛ فقد كان مَلِكًا دانت له أوطانه