responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : النبي الإنسان نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 501
ولم يبق عنده أحد، ولما غَلَبته عيناه؛ جاءه أعرابيّ من المشركين وقد سَلّ سيفه؛ فانتبه محمد؛ فقال له الأعرابيّ: (من يعصمك مني؟).. تأمّلوا حَرَجَ هذا الموقف.. فأجابه محمد ـ وجأشه رابط، وقلبه مطمئن بالإيمان ـ: (الله)، فما طرقت هذِهِ الكلمة سمع الأعرابيّ حتى تأثّر بها وأغمد سيفه.

وخرج المسلمون إلَى ساحة بدر في قِلّة من العَدد والعُدَد، وهم لا يزيدون علَى ثلاثمائة وثلاثة عشر مقاتلًا، بعضهم معه سيف بلا رُمْح، وبعضهم معه رُمْح ولا سيف معه، وعَدُوّهم نحو ألف مقاتل في سلاح تام وعَتاد كامل؛ فالتقى الجمعان وحميَ وَطيس الحرب.. ترى أين هو قائد جيش المسلمين؟ انظروا؛ ها هو قد اعتزلهم لاجئًا إلَى ربه يدعوه تارةً، ويستفتح علَى المشركين، ويسجد لله تارةً؛ وهو يقول: (اللهمّ أنشدك عهدك ووعدك، اللهمّ إن شئتَ لم تُعبد بعد اليوم)

وربما وقع الخلل في صفوف المسلمين وتفرّقوا عنه؛ فيبقَى هو ثابتًا في موضعه كالجبل الَّذِي لا يزعزعه شيء، واثقًا برَبّه، متوكِّلًا علَى تأييده، راجيًا نصره، كما وقع في سَفْح أُحُد؛ حين تفرّق عنه أكثر الصحابة؛ فثبت هو مكانه، والمشركون تارةً يحملون عليه بالسيوف، وأخرى يَشُدّون عليه الرِّماح، ويرمونه أحيانًا بالحجارة والسّهام؛ حتى انكسرت ثَنيّته، وشُرِخ رأسه، ودخلت في رأسه حلقة المِغْفر؛ ففي تلك الساعة الرهيبة كان واثقًا بنصر الله الَّذِي وَعَده بعِصْمته فلا يخذله.

وكذلك وقع في حُنين؛ حين كانت سِهام المشركين تقع علَى المجاهدين المسلمين كالمطر؛ فتفرق المسلمون، لكن محمدا لم يبرح مكانه؛ بل ظلَّ ثابتًا يدعو الناس إلَى الله؛ وهو يقول:

أنا النبـيّ لا كَـــذب أنا ابن عبــدِ المطلـب

ثم ترجَّل عن مَطِيّته؛ وقال: (أنا عَبْد الله ورسوله)، ورفع يديه يسأل الله ويدعوه.

إخواني وخلاني.. هل سمعتُم بقائد باسل لا يُبالي بقِلّة جيشه ونقص عُدّتهم، ولا ينكص علَى عَقِبيه، ولا ينسحب من ساحة القتال وإن تفرّق عنه جنده، ويستغني عن سلاحه باستنجاد ربه وطلب نصرته؟ ذلك كان مبلغ ثقته بالله، ويقينه بنصرته، واعتماده علَى مَدَده.

سكت قليلا، ثم قال: لعلكم سمعتُم بواعظ يعظ الناس بأن يحبوا أعداءهم، ويحثهم علَى مودة مُبغضيهم.. لكن هل رأيتُم مثالًا عمليًّا على ذلك؟

إن شئتم أن تروا هذا المثال فتعالَوا معي إلَى مدينة محمد؛ لنرى أمثلة رائعة للعمل بالمبادئ لا أظنكم ترون مثلها في أمكنة أخرى.. اتْرُكوا ما جرى في مكة؛ فإن محمدا لم

نام کتاب : النبي الإنسان نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 501
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست