responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : النبي الإنسان نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 484
أما محمد، فقد بشَّر الإنسان بأنه يُولَد غير آثم ولا مجبول على الخطيئة، ولا مسؤول عن خطيئة أبيه الأول آدم، وأنه يعيش عَيشة لا إكراه فيها ولا إجبار، وهو مُخيَّر في حياته بين أن يعمل صالحًا إن شاء؛ فيجني ثمرة صلاحه ونزاهته، وبين أن يعمل عملًا سيئًا؛ فيكون بعمله مذنبًا آثمًا.. اسمعوا معي هذه الآيات.. ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)﴾(التين)

إنها تطلق بشارة عظيمة للإنسانية تخبرها فيها بأن قوامهم أحسن، وفِطْرتهم أفضل، وجِبِلّتهم أعدل، وأنهم بعد هذا الإعداد الإلهي إنما يفسدون أو يصلحون بأعمالهم، وبما يختارونـه لأنفسهم:﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾(الشمس)

هل مِن دليل أوضح على حُسن جِبِلَّة الإنسان ونزاهة فِطْرَته وطهارة أصله مِن قول القرآن: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)﴾(الإنسان)

إن البُشْرَى الَّتِي بشّر بها محمد الإنسانية جميعا هي أن كل إنسان مختار فيما يفعله، غير مُكْرَه عليه ولا مجبَر، وليست حياته الحاضرة نتيجة لحياته الماضية؛ فمن آمن بالرسول؛ فقد تغيَّرت وجهة نظره إلى أعماله؛ فلا هو كئيب واجِم ظنًّا منه أنه مُكْرَه على عمل هو استمرار لحياة سالفة..

ولهذا، فإن كل مَن آمن بالرسالة المحمدية؛ أصبح بفضلها حُرًّا طليقًا من الأوهام الباطلة، والعقائد الفاسدة؛ الَّتِي قيَّدَت حياة البَشَر، وغَلَّت أيديهم.

سكت قليلا، ثم قال: سأضرب لكم مثالا آخر.. أو مقارنة أخرى.. بين الأصول التي بنى عليها الإسلام بنيانه الأخلاقي الرفيع، وبين أصول غيره من الديانات.

لقد رأيت خلال البحث في تواريخ سلوك الأمم قبل الإسلام أن عقائد كثيرة باطلة، وأوهاما كثيرة سخيفة تملكتهم.. صار بموجبها أهل كل دين في مملكة من الممالك يحسبون أن مملكتهم هي الدنيا كلها؛ فكان براهمة الهند ومتصوفوها يرون أن بلادهم هي أرض الله الممتازة، وما خرج عنها لا نصيب له من رحمة الله؛ لأن الله لا يريد الخير إلَّا لقُطَّان بلادهم، وأمر الرسالة الإلهية والهداية الربانية قد اختُصّ به بعض البيوتات من سدنة المعابد لا يعدوهم أبدًا.

وهكذا نطق أتباع زرادشت، حين حسبوا أن الإله إنما يُعنَى بأمر بلادهم المقدسة وحدها، وبأهل وطنهم الأخيار، ولا تعنيه بلاد أخرى ولا أُمّة أخرى.

نام کتاب : النبي الإنسان نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 484
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست