الزِّنا.
و4ـ لا تَقْفُ ما ليس لك به عِلْم. و5ـ لا تبذِّر في النفقة واقتصد فيها.
فإذا قارنتم بين ما جاء به
القرآن من الأحكام الأساسية، وما جاء به الإنجيل والتوراة؛ تتبين لكم حقيقة
الرسالة المحمدية، ويتضح لكم أنها أكملت ما كان ناقصًا في الرسالات السابقة
الَّتِي لم تهتم بذكر الأحكام الأساسيّة.. ولم تقتصر رسالة الإسلام علَى تكميل هذا
النقص؛ بل عُنيت بحَلّ مُعضلات المجتمع البشري في الأخلاق، ووَجَّهت الإنسانية
إلَى الطريق المثلى في قُواها، ونبَّهت الإنسان إلَى نقائصه وعيوبه وأمراضه
النفسيّة، ووصفت له دواء من كل داء من أدواء النفوس، وأخذت بيده إلَى الجادة
الوسطى في الأعمال والأخلاق والمعاملات، هذا ما أكملته الرسالة المحمدية من
الناحية العملية.
سكت قليلا، ثم قال: لا
تظنوا ما جاء به الإسلام في هذا الباب مجرد استدراك أو تعقيب على ما سبقه.. لا..
الأمر أعمق من ذلك بكثير..
فالإسلام بنى ما أتى به من
مكارم الأخلاق على منظومة كاملة تجتمع فيها جميع نواحية..
سأضرب لكم مثالا على ذلك
تتأسس عليه الأخلاق، ولا يمكن أن يقوم بنيانها على غيره.. وهو كرامة الجنس البشري،
ومكانته من سائر المخلوقات.
فالإنسان لا يمكن أن تكتمل
فيه الأخلاق إلا إذا شعر بإنسانيته وكرامتها، فترفع أن يهينها بأي نوع من أنواع
المهانة.
لقد كان الإنسان في
الأديان البدائية يرى نفسه أحطّ منزلة من معظم المخلوقات والموجودات.. لقد كان
يعبد من المخلوقات كل ما يخشَى شرَّه، أو يرجو خيره؛ اتقاءً لضَرره، أو طمعًا في
خيراته.
حتى الأديان التي ترقت عن
هذا وقعت في عبودية رجال الدين كما نص القرآن على ذلك في قوله:﴿ قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا
نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا
بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران:64)، وفي قوله في وصفهم:﴿ اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ
مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (التوبة:31)
ولهذا، فإن الإسلام أعلن
لجميع البشر بأن هذه المخلوقات كلها إنما خُلِقَت لهم، ولم يُخلَقوا لها، وأنها
مسخَّرة لهم؛ فلا يَليق بهم أن يَسجُدوا لشيء منها، وقال لهم: أيها الناس؛ أنتم
خلفاء الله في هذا العالَم، وقد سخَّر لكم كل ما فيه جميعًا، إن الدنيا لكم ولستُم
لها:﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً