أما المسيحية..
فقد وجدتها قاصرة تماما عن تلبية هذا النوع من الحاجات.. ولهذا اضطرت الأمم
المسيحية إلَى استعارة هذِهِ القوانين من الأمم الوثنية، كالإغريق والروم.
أما الرسالة المحمدية..
فقد وجدت فيها العجب العجاب في هذا الباب.. فهي لم تترك صغيرة ولا كبيرة مما يتعلق
بسياسة المال، أو سياسة المجتمع، أو سياسة الأمة إلا تناولته بتفصيل عجيب..
لقد وضع القرآن ومعه
النصوص المقدسة التي تكلم بها محمد (ص)
قوانين حياة تجتمع فيها المثالية بأرقى صورها مع الواقعية في أدنى درجاتها.
قالوا: كيف ذلك، وحياة
الناس تختلف بيئاتها وأزمانها، وما يصلح لقوم قد لا يصلح لغيرهم؟
قال: لقد نظرت الشريعة
الإسلامية إلَى هذا الضَّرب من حاجات الأمم نظرًا ثاقبًا حكيمًا؛ فاستوعبته من
جميع نواحيه، مستقصية جهاته كلها؛ فلم تترك ناحية منها إلَّا وقد أتمتها؛ فسَنَّت
قوانين كُليّة، أقامتها علَى أصول جامعة.
وقد عمل بذلك المسلمون في
مختلف بقاع الأرض وأقطارها، ولا يعرف العالم كله إلَى الآن قانونًا أعدل ولا أرحم
بالإنسانية ولا أصلح لها من قوانين الإسلام([1233]).
قال: لقد وجدت أن حياة
البشر لا يمكن أن تنظمها القوانين وحدها.. فالقوانين يمكنها أن تنظم السلوك العام،
وتمنع شر الناس عن الناس.. ولكنه لا طاقة لها بأن تلطف حياة بحيث تعمق الأخوة
بينهم.. ولا يمكنها أن تهذب سلوك الفرد بحيث تملؤه بالإنسانية الراقية.. فلذلك
احتاج الإنسان إلى الأخلاق.
ولأجل هذا رجت أبحث في
الأديان عن موقفها من الأخلاق، وعن نوع الأخلاق التي تدعو إليها..
لقد وجدت أن في التوراة
أحكامًا عديدة تتعلق بالأخلاق، منها سبعة تُعَدّ أصولًا، وليس في هذِهِ الأصول
السبعة إلَّا أصل واحد إيجابي؛ وهو: الأمر بطاعة الوالِدَين والبرّ بهما، أما
السِّتَّة الأخرى فكلها سلبيّة؛ وهي النواهي: لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ، لا تشهد
علَى جارك شهادة زُور، لا تخادن حَليلة جارك، لا تطمع في مال جارك، وبعض هذِهِ
[1233] انظر التفاصيل الوافية عن هذا في رسالة (عدالة للعالمين) من
هذه السلسلة.