قال: لقد بدأت بحثي فيها..
فأخوف ما يخاف العاقل على ما يصل إليه من العلم الأسطورة والخرافة والأهواء.. فهي
فيروسات خطيرة تحول من العلم جهلا، ومن المعارف دجلا.
لقد رحت أبحث في المنهج
الذي نقل به المسلمون أخبار نبيهم وأحاديثه وتفاصيل حياته، فوجدت من ذلك ما لم
أجده في جميع مناهج العالم..
لقد وقف العالَم كله موقف
العجب والاستغراب من الذين وَقَفُوا حياتهم منذ عصر محمد علَى حفظ أقواله ورواية
أحاديثه وكل ما يتعلق بحياته؛ أدَّوها إلَى من ضَبَطوها بعدهم وكتبوها، وصاروا
يُسَمّون (راوة الحديث) أو (المحدِّثين) و(أصحاب السير)
فلما كملت هذِهِ الذخيرة
التاريخيّة ـ جمعًا وكتابة وتدوينًا ـ جعل العلماء يكتبون سير هؤلاء الرواة من
الصحابة والتابعين ومَن بعدهم مِن العلماء الَّذِين رووا شيئًا مما يتعلق بحياة
محمد، فكتبوا أسماءهم وكُناهم وأنسابهم ومنشأهم وأخلاقهم وعاداتهم؛ وبالجملة؛
أحصوا شؤون حياتهم كلها؛ حتى أصبح ما كتبوا في هذا الباب عِلْمًا مستقلًّا سميَ
فيما بعد (عِلْم أسماء الرجال)
لقد حفظ التاريخ أسماء
عشرة آلاف من الذين رأوا محمدا مذكورة أسماؤهم وأحوالهم في كتب التاريخ الَّتِي
أُفْرِدَت لتدوين أحوالهم خاصة.. والتاريخ لم يهتمّ بتدوين أحوالهم، ولم يحفظ لنا
شؤونهم إلَّا لأنّ كل واحد منهم حفظ شيئًا من أقوال محمد وأفعاله وتصرّفاته وهَديه
وسيرته.
لقد كان الآلاف من الناس
قد انتدبوا للتبليغ عن رسول الله (ص)؛
لأن محمدا هو الَّذِي أمرهم بذلك فقال: (بلِّغوا عني)، وقال: (لِيبلِّغ الشاهدُ
الغائبَ)؛ فكانوا يعلِّمون أولادهم وإخوانهم وأصحابهم وأقرباءهم من الدِّين والعلم
كل ما كانوا يعلمونه؛ فكان ذلك شُغلهم وهَمّهم آناء الليل وأطراف النهار وفي
الغُدُوّ والآصال.
وكما كان محمد يحرِّض علَى
أن يبلِّغوا عنه ويَفقَهوا تشريعه وينشروا دعوته وأحكامه؛ كان ينهَى الناسَ عن أن
يتقوَّلوا عليه ما لم يقل، أو ينسِبُوا إليه ما لم يفعل، وكان يُنذِر مَن يتعمّد
الكذب عليه بأنه سيتبوَّأ نار جهنم.
قال رجل من الجمع: فقد
اعتمد المبلغون عن محمد إذن على ما اختزنته ذاكرتهم