قال جعفر: الخوف.. فأول
امتحان لليقين هو الخوف.. فالخائف الذي زلزل الخوف قلبه ينسى الحقائق التي لا تعمر
إلا عقله.
قال الشاب: فاضرب لي
مثالا على ذلك من حياة رسول الله (ص).
قال جعفر: لاشك أنك تعلم
أن من أخطر المواقف التي مر بها رسول الله (ص) موقف
هجرته من مكة إلى المدينة.. حيث تعقبه المشركون يريدون قتله، وأرصدوا لذلك الجوائز
الجزيلة.. لكن رسول الله (ص) في ذلك الموقف
الشديد لم يهتز له عرق، ولم تصبه أي مخافة.. لقد ذكر الله تعالى حال رسول الله (ص) عند ذلك، فقال:﴿ إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ
نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ
هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا
وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ
الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة:40)
إن هذا الموقف الشديد لا
يمكن أن يقفه إلا إنسان عمر الشعور بحضور الله كيانه كله، فلذلك لم يعد في صدره أي
خوف من أي شيء.
قال الشاب: صحيح هذا..
ففي المخاوف قد ينسى أحدنا ما تعلمه من علوم، وما عرفه من معارف.
[23] قال الغزالي: (يستحيل أن يعرف النبي غير النبي، وأما
من لا نبوة له فلا يعرف من النبوة إلا اسمها، وأنها خاصية موجودة لإنسان بها يفارق
من ليس نبيا، ولكن لا يعرف ماهية تلك الخاصية إلا بالتشبيه بصفات نفسه﴾ (انظر: المقصد الأسنى في
شرح معاني أسماء الله الحسنى، للغزالي، ص53)