فهذه
الأحاديث، يؤصل فيها النبي (ص) أصلا عظيما في
الشريعة، ويبينه لنا، ويشعرنا بأن بعض أفراد الأمة قد يكونون أحيانا أعلم منه (ص)
بما يتقنونه من أمور الدنيا، والمقصود أهل الخبرة في كل فن وصناعة، وأنه لا داعي
شرعا لالتفاتهم إلى ما يصدر عنه (ص) من ذلك إلا كما
يلتفتون إلى قول غيره من الناس([764])..
رأيت
البغدادي تغير تغيرا شديدا لكنه حاول أن يحبس نفسه بقوة.. صاح بعض الحضور غاضبا:
انزل يا زنديق.. كيف تتجرأ على مقام النبوة بمثل هذا؟
تدخل
البغدادي بأدب، وقال: دعه ـ يا أخي ـ يكمل ما لديه.. هو لم يقصد ما فهمته.. إن
التعبير فقط هو الذي خانه..
قال
الرجل بصلافة: كيف يخونني التعبير.. أنا أديب أدباء، وعالم ابن علماء.. فكيف
يخونني التعبير؟
قال
البغدادي: اعذرني.. واصل ما تريد قوله.. فأنا لا أستطيع أن أجيبك إلا بعد أن تكمل
كل ما عندك من حجج.
قال
الرجل ـ وهو يتوجه للجماعة بحماسة وشدة ـ: أين ذهبت عقولكم.. ألم تقرأوا قوله
تعالى:﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ (الكهف: 110)، وقد تكرر التأكيد على
بشرية الرسول (ص) بخلاف أمور الشريعة، فإن كلامه فيها لا يستقر
فيه خطأ، كما هو ثابت في علم أصول الفقه. فالأصل استمرار حاله في أمور الدنيا كما
كان قبل النبوة، لما لم يدل على انتقاله عن ذلك دليل.
ومما
يؤكد هذا أن الحباب بن المنذر، قال في سياق غزوة بدر: يا رسول الله: