عن العبودية لله
ومظاهرها.. فانتظرت حتى انتهى، وقلت: عهدي بالروحانيين من المسلمين وغيرهم يصنفون
السالكين إلى الله أو الواصلين إلى الله أصنافا عديدة، فمنهم العارفون، ومنهم العباد،
ومنهم الزهاد، ومنهم أهل الفتوة والمروءة..
وعهدي ـ كذلك ـ بهؤلاء
يختلفون فيما بينهم اختلافا شديدا.. فللعارف حظه من عبودية السير الباطني، وللعابد
حظه من عبودية السير الظاهري.. فمن أي هؤلاء أنت؟
قال: أنا أسعى لأن أكون من
أهل قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ
كَافَّة﴾ (البقرة: 208)
قلت: ما علاقة الآية بهذا؟
قال: عندما سقط ورثة
الأنبياء في هاوية الجزئية انفصلوا عن أنبيائهم.. لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال:﴿
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا
الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ
يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا
عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ (لأعراف:169)
فهؤلاء الذين ورثوا الكتاب
ـ ولكنهم لم يرثوه حقائق تنبني عليها حياتهم، وإنما ورثوه رسوما وطقوسا ـ صاروا
يختارون من دينهم ما يتناسب مع أهوائهم، فيقبلون ما تشاء أهواؤهم، ويرفضون ما
ترفضه.
ولذلك، فإن الوارث الحقيقي
هو الذي يقف كالميت بين يدي الغسال في كل ما يأتيه عن نبيه، لا يجادل، ولا يقدم
رأيه على رأيه، ولا سلوكه على سلوكه، ولا فهمه على فهمه.
قلت: فهل هذا هو معنى
العبودية؟
قال: أجل.. العبودية هي
الخضوع التام لله.. والخضوع التام لله لا يكون إلا عن معرفة بالله.. ومن عرف الله
زهد في غيره.. ومن عرف الله كان له من المروءة ما ينتشر به خيره على غيره.
قلت: فالعابد إذن تجتمع له
جميع خصال الروحانيين؟
قال: لن تكتمل عبوديته إلا
بذلك.. كما لا يكتمل عرفان العارفين، ولا زهد الزاهدين، ولا ورع الورعين، ولا
مروءة الفتيان إلا باجتماع كل ذلك.
قلت: لقد شرفني الله بصحبه
رجل من أهل الله عرفت من خلاله من معرفة محمد