ولما كان هؤلاء
البدو لا تجمعهم بلدة أو مدينة، ولم يكونوا يقطنون الحصون والقلاع، كانت الصعوبة
في فرض السيطرة عليهم وإخماد نار شرهم تمامًا تزداد بكثير عما كانت بالنسبة إلى
أهل مكة وخيبر؛ ولذلك لم تكن تجدي فيهم إلا حملات التأديب ولهذا قام المسلمون بمثل
هذه الحملات مرة بعد أخرى.
ومن ذلك هذه الغزوة التي
قصد بها رسول الله (ص) فض اجتماع البدو
الذين كانوا يتحشدون للإغارة على أطراف المدينة، وقد خشي رسول الله (ص) أن ينقضوا على المدينة بعد خروجه لبدر الثانية.
وقد حدث جابر عن بعض ما
حصل في هذه الغزوة، فقال:: كنا مع النبي (ص) بذات
الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي (ص)، فنزل رسول الله (ص) فتفرق
الناس في العضاة، يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله (ص) تحت شجرة فعلق بها سيفه. قال جابر: فنمنا
نومة، فجاء رجل من المشركين: فاخترط سيف رسول الله (ص)، فقال: أتخافني؟ قال: (لا)، قال: فمن
يمنعك مني؟ قال: (الله). قال جابر: فإذا رسول الله (ص) يدعونا، فجئنا، فإذا عنده أعرابي جالس. فقال
رسول الله (ص) : (إن هذا اخترط سيفي
وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صَلْتًا. فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت:
الله، فها هو ذا جالس)، ثم لم يعاتبه رسول الله (ص)
أشار الحكيم إلى سيف آخر،
ثم قال: لعل هذا السيف يشير إلى غزوة بدر الثانية([580])، وهذه
الغزوة دليل آخر من أدلة ما نصر الله به نبيه من النصر الخفي يوم أحد.
[580]وتعرف هذه الغزوة ببدر
الموعد، وبدر الثانية، وبدر الآخرة، وبدر الصغرى.