قال الحكيم: لم يكتف
المنافقون بذلك فقط.. بل إنهم ـ كموقفهم في جميع الغزوات ـ لم يكن لهم دور إلا
التثبيط، ومع ذلك فإن النبي (ص) لم
يمس أحدا منهم بسوء.
في ذلك اليوم الشديد..وعندما
وصل جيش المسلمين الشواط ـ وهو اسم بستان بين المدينة وأحد ـ انسحب ابن سلول
بثلاثمائة من المنافقين، وهم ثلث الجيش، بحجة أنه لن يقع قتال مع المشركين،
ومعترضًا على قرار القتال خارج المدينة قائلا: (أطاع الولدان ومن لا رأي له، أطاعهم
وعصاني، علام نقتل أنفسنا)
لقد كان هدف المنافقين من
هذا بث الهزيمة النفسية في قلوب المؤمنين وتحطيم معنوياتهم.. ولكن الله علمهم أن
من رحمة الله بهم أن لا يدخل هؤلاء ساحة المعركة.
لقد اقتضت حكمة الله أن
يمحص الله الجيش ليظهر الخبيث من الطيب، حتى لا يختلط المخلص بالمغرض، والمؤمن
بالمنافق، قال تعالى:﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا
أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ
فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ
عَظِيمٌ (179)﴾ (آل عمران)
في ذلك الموقف الشديد تميز
المخلصون من المنافقين.. في ذلك الموقف حاول عبد الله بن حرام
إقناع المنافقين بالعودة فأبوا، فقال: يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم
عندما حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أن
يكون قتال، فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم قال: أبعدكم الله، أعداء
الله، فسيغني الله عنكم نبيه.