وكان العم يذهب إليها في الجهات المختصة ليوقع
الإقرار تلو الإقرار بعدم التعرض لها.. وأحيانًا كان يلقاها ويستعطفها كي تعود إلى
ولديها لشدة حاجتهما إليها، ولكن أمي رفضت بشدة بعدما ذاقت حلاوة الإسلام والإيمان
وأسلمت لله رب العالمين وتركتنا وديعة عند من لا تضيع عنده الودائع سبحانه هو خير
حافظٍ وهو أرحم الراحمين، وأيقنت أن الله سوف يحرسنا بعينه ويرعانا برعايته([16]).
قال الغريب: ثم أخبرني هذا الفتى عن بعض البلاء
الذي تعرض له بسبب إسلام أمه، ثم كيف بدأ يتلقى أنوار الإسلام، فقال: أخذت العنوان
وقفلت راجعًا إلى منزلنا أفكر في الأمر، وبعد يومين أو ثلاثة عزمتُ على زيارة أمي
على عنوانها الجديد في موعد يسبق يوم الثلاثاء اللاحق لموقف القس السابق في درس
الكنيسة، وبلغت مسكن الوالدة وشاء الله أن يكون ذلك مع أذان المغرب.. وأستمع إلى
أذان المغرب وكأني أسمعه لأول مرة برغم سماعي له آلاف المرات ولكن الأذان هذه
المرة وقع مغاير تمامًا لما ألفته من قبل.
وتستقبلني أمي أثناء الأذان مرحبةً بي، وأراها
وأسمعها تردد الأذان وهي لا تكاد تنتبه لحديثي إليها، وبعد الأذان ذهبت فتطهرت
وتوضأت ثم دخلت في صلاتها وجعلت تتلو القرآن في الصلاة بصوت مسموع فكنت لأول مرة
أسمع القرآن من أمي، إنها تتلو سورة الإخلاص، وكان لذلك وقع لا يوصف في قلبي وأثر
ساحر في نفسي.
إن مشاعري في تلك اللحظة لا أقوى على وصفها، فقد
شملني نورٌ ربانيٌ وتملكني شعور
[16] هذا الموقف مع
ما فيه من الصدق والإخلاص إلا أن الداخل للإسلام لا ينبغي أن يفرط في أي شيء يرتبط
بحياته وبمسؤولياته، بل إن اعتناقه للإسلام لا ينبغي أن يزيده إلا حرصا على هذه
المسؤوليات.