قال: ولكنها كانت تعيش في ذلك العهد أسوأ أيام حياتها([19]).. لقد كانت في القرن السابع من أشقى بلاد الله بالمسيحية، وبالدولة
الرومية معاً، أما الأولى فلم تستفد منها إلا خلافات ومناظرات في طبيعة المسيح،
وفي فلسفة ما وراء الطبيعة والفلسفة الألهية، وقد ظهرت في القرن السابع في شر
مظاهرها، وأنهكت قوى الأمة العقلية، وأضعفت قواها العملية.
وأما
الأخرى فلم تلق منها إلا اضطهاداً دينياً فظيعاً واستبداداً سياسياً شنيعاً تجرعت
في سبيلهما من المرائر في عشر سنين ما ذاقته أوربا في عهد التفتيش الديني في عقود
من السنين، فألهاها ذلك عن كل وطر من أوطار الحياة، وعن كل مهمة شريفة من مهمات
الدين والروح، فلا هي تتمتع بالحرية السياسية رغم كونها مستعمرة رومية، ولا هي
تتمتع بالحرية الدينية والعقلية، رغم كونها مسيحية.
يقول
الدكتور غوستاف لوبون في كتابه المعروف (حضارة العرب): (ولقد أكرهت مصر على انتحال
المسيحية، ولكنها هبطت بذلك إلى حضيض الانحطاط الذي لم ينتشلها منه سوى الفتح
العربي، وكان البؤس والشقاء مما كانت تعانيه مصر التي كانت مسرحاً للاختلافات
الدينية الكثيرة في ذلك الزمن، وكان أهل مصر يقتتلون ويتلاعنون بفعل تلك
الاختلافات، وكانت مصر التي أكلتها الانقسامات الدينية، وأنهكها استبداد الحكام
تحقد أشد الحقد على سادتها الروم، وتنتظر ساعة تحريرها من براثن قياصرة
القسطنطينية الظالمين)([20])