على الاعتقاد والتسليم، فلا مضايقة بين العلم
والدين، ولا سلطان لاحدهما على الآخر ([341]).
ومع ذلك فقد وجد فلاسفة
آخرون معاصرون لهؤلاء لم ترق لهم هذه الفلسفة، بل أغرتهم تفاهة آراء الكنيسة
وحقدهم عليها أن يهاجموا التعاليم الدينية هجوماً مباشراً.
ثم كان نيوتن ونظرياته
خطوة دافعة على الطريق..
فقد اكتشف نيوتن بعض ما
سمى عندهم (قوانين الطبيعة) التى يجرى الكون المادى بمقتضاها.. وكشف عما يسمى
عندهم (قانون السببية) أى القانون الذى يفسر ظواهر الطبيعة بردها إلى أسبابها
الظاهرة، وقد كان هذا فى أوروبا ذريعة لنفى الأسباب غير الظاهرة وغير المحسوسة، أى
نفى الأسباب الغيبية.
يقول برينتون: (إن السببية
تهدم كل ما بنته الخرافات والإلهامات والمعتقدات الخاطئة فى هذا العالم)
[341] العلم والدين
في الفلسفة المعاصرة: اميل بوترو / 19، وتتلخص نظريته في الاعتقاد بوجود منبعين
للتصورات: احدهما الاحساس, فنحن نتصور الحرارة والنور والطعم والصوت لأجل احساسنا
بذلك كله, والآخر الفطرة بمعنى أن الذهن البشري يملك معان وتصورات لم تنبثق عن
الحس وإنما هي ثابتة في صميم الفطرة, فالنفس تستنبط من ذواتها.
وهذه التصورات
الفطرية عند (ديكارت) هي فكرة (الله والنفس والامتداد والحركة) وما إليها من أفكار
تتميز بالوضوح الكامل في العقل البشري.وهذه الازدواجية الديكارتية وجدت لها نظيراً
في منهج بيكون التجريبي الذي قال عنه أندرسن:( إن أعظم مآثر بيكون الفصل بين
العلم البشري والوحي الإلهي )، فعند بيكون يمكن أن تكون أي قضية خاطئة تماماً في
نظر العقل، ولكنها صحيحة تماماً لأنها نظر الدين.
والواقع
أن المذهب الازدواجي ليس إلا مرحلة طبيعية في سلم التدرج من الإيمان المطلق بالوحي
إلى الإنكار المطلق له (راجع: مدخل الى فلسفة ديكارت ـ سلسلة المكتبة الفلسفية رقم
5 منشورات عويدات)