أما أنا، فاقتربت
منها، وسألتها عن سر اختلافها مع هذا الرجل، فقالت: هذا الرجل أخي.. وقد ورث هذا
البستان من زوجة له.. وقد كان يبيع عنبه كل سنة طيبا مباركا، ليأكله الناس كما
خلقه الله.. ولكنه هذه السنة.. وبتأثير جماعة من المجرمين قرر أن يبيعه لصانعي
الخمور، ليحولوا منه سما زعافا.
قلت لها: إن كل الناس
يفعلون ذلك.. ولا يرون بذلك بأسا.
قالت: وهذا هو الخطر
الأكبر.. أن يجتمع الناس على عدم إنكار المنكر.. بل على اعتبار المنكر معروفا..
قالت ذلك، ثم رمت ببصرها
إلى الأفق البعيد، وسالت دمعة حارة من عينها، ثم قالت: متى يأتي اليوم الذي تشرق
فيه شمسك يا محمد على هذه البلاد.. وعلى هؤلاء العباد.. ليعود الإنسان إلى
الإنسان.. وتعود الحياة إلى الحياة.
قلت: مع من تتحدثين؟
قالت: أشواقي هي التي
تتحدث.. لقد من الله علي أن أعيش بين ثلة من المسلمين استظلوا بظلال محمد.. وأشرقت
عليهم أشعة شمسه.. فعرفت الإنسان، وعرفت الحياة.. وعرفت بعدنا عن الإنسان والحياة.
قلت: كيف تقولين هذا!؟..
ونحن أمة العلوم التي فجرت من أنهار العلوم وبحارها ما كان كامنا مختفيا، لا تراه
الأبصار، ولا تسمع به الآذان.
قالت: ونحن من الأمة التي
غرقت في تلك الأنهار والبحار، فلم تجد منقذا.