لذلك أسرعت إلى
المطبخ أبحث له عن الطعام الذي طلبه.. لكني لم أجد إلا حبات تمر، وكوب لبن، وكسرة خبز..
فرحت أقدمها له، وجبيني يتقطر حياء، وأنا أقول له: اعذرني.. فهذا ما تعودنا على
أكله، فأرجو أن تتحمل حياتنا البسيطة، فنحن لا نزال نعيش الحياة البدائية.
اعتدل في جلسته، ثم ابتسم،
وقال: أليست هذه هي الحياة التي كان يعيشها رسول الله (ص)؟.. ألم يكن رسول الله (ص) يأكل التمر، ويشرب
اللبن، ويأكل مثل هذه الكسر التي تأكلونها؟
قلت: بلى.. ولكن
الحياة تطورت الآن، وللأسف، فقد تخلف قومي عنها.. تخلفوا بأميال كثيرة، وسنوات
طويلة، وقد استبد بهم اليأس، فتوقفوا عن السير، واكتفوا بالتفرج على السائرين.
قال: ومن هم السائرون
الذين وقف قومك يتفرجون عليهم؟
قلت: أولئك الذين
يسكنون وراء البحار.. أليسوا هم رواد الحضارة وأساتذتها؟
أليسوا هم الذي
اخترعوا جميع قيم الحياة الجميلة، وما تحتاجه الحياة الجميلة؟
فهم الذين اخترعوا
التلفزيون والحواسيب والشبكات العنكبوتية.. وهم الذين اخترعوا الطائرات والسيارات
والقطارات وجميع وسائل النقل.. وهم الذين صمموا الأنبية الضخمة وناطحات السحاب..
وهم الذين اكتشفوا أعماق البحار، وقمم الجبال، بل راحوا إلى الأفلاك من حولهم
يزورونها ويقيمون العلاقات معها.
قال: تقصد قومي؟
قلت: أأنت منهم..
أجئتني من وراء البحار؟
قال: نعم.. وأنا
أعرفهم جيدا.. وأعرف الحياة التي يعيشونها..
قلت: إن حياتهم
المميزة تجعلنا نشعر بالعقد الكثيرة.