قال: أرأيت الطبيب الذي يضطر إلى إجراء عملية جراحية لولد
صغير.. فتقف في وجهه الرايات الكثيرة تدافع عن الطفل.. وترمي بالحجارة وجه الطبيب،
لكونه يريد أن يقسو على الولد.
قلت: مخطئون هم.. وقساة هم.. وليس الرحيم إلا الطبيب.
قال: لم؟
قلت: لأن رحمتهم القاصرة المحدودة ستقسو على الولد،
وستملأ حياته بالألم .. بينما قسوة الطبيب الظاهرة لا تنتج إلا الصحة والعافية..
فقسوته رحيمة.. ورحمتهم قاسية.
قال: فانظر بهذا المنظار للحقائق.. فلا ينبغي للعاقل
أن تغره القشور، فينشغل بها عن اللباب.
قال ذلك، ثم انصرف تاركا لي كعادته.
بمجرد أن سار شعرت بهمة عظيمة تدفعني لأرحل تلك
الرحلة التي كلفني بها.. بصدق وعزيمة وإخلاص..
لقد قلت في نفسي: فليكن ما يكون.. فالحقائق لابد أن
تبرز عن نفسها لا محالة..
***
بعد أيام قليلة سرت إلى البلد الذي طلب مني أن أذهب
إليه.. كان بلدا قاسيا في ظاهره، فليس في تضاريسه ولا أجوائه إلا القسوة..
لقد امتلأت بالكآبة عندما نزلت فيه.. لكني ما إن رأيت
ورثة النبوة وعاشرتهم حتى تحول كل شيء في نظري إلى جمال لا يضاهيه أي جمال..