هناك شيء مهم تفتقر إليه أكثر القوانين.. وهو قناعة
المتلقي بالقانون الذي يحكمه..
فمما لابد منه أن يكون أي (عمل) يعاقب عليه القانون
(جريمة) في نظر المجتمع أيضا، وأي بند من قانون مكتوب لا يمكنه أن يوفر نفسية في
المجتمع، ترى في عمل ما جريمة، كما يراه القانون ؛ فإن القانون يبقى قاصرا ضعيفا..
سيجد بسهولة من يحتال عليه.. ولا يعاتب نفسه في احتياله.
إذ لابد من أن يشعر مرتكب الجريمة بأنه (مذنب)
ويعتبره المجتمع مذنبا.. ويقبض عليه رجال الشرطة بكل اقتناع، ثم يصدر قاضي
المحكمة - وهو في غاية الاطمئنان- حكما ضد ذلك الرجل. ولذلك كان لابد أن تكون كل
جريمة (ذنبا) أيضا..
وهذا الذي أقوله هو ما يراه أصحاب المدرسة
التاريخية من رجال القانون، فهم ينصون على ( أن أي تشريع لن يصيب هدفه إلا إذا كان
مطابقا للاعتقادات السائدة عند المجتمع الذي وضع له ذلك القانون، ولو لم يطابق
التشريع اعتقادات المجتمع فلابد من فشله)
هذا الرأي الذي عبرت عنه (المدرسة التاريخية) لرجال
القانون غير صائب في مغزاه الحقيقي الذي يرمي إليه إطلاقا، ولكن له مع ذلك محلا من
الصدق في هذا الجانب الذي نتحدث عنه.
سكت قليلا، ثم قال: أنتم تشاهدون في الواقع مدى ضعف
الروادع التي تحاول أن تحمي القانون..
ذلك أن خوف الشرطة والمحكمة لا يكفي لدرء الجرائم،
وإنما لابد أن يكون هناك وازع في المجتمع يمنع الناس من ارتكاب الجرائم، لأن
الرشاوى، والمحسوبيات، وخدمات المحامين البارعين، وشهود الزور.. كل هذه العوامل
تكفي لحماية المجرم من أية شرطة أو محكمة إنسانية، والمجرم لا يرهب عقابا، أي عقاب،
لو استطاع أن يفلت من أيدي القانون.