لقد انقسم خبراء التشريع إلي مدارس فكرية كثيرة ؛
ولكننا- رغم تعدد هذه المدارس- قد لا نجد لبعض كبار علماء القانون فيها مكانا!
قال الرجل: ما سر ذلك؟
قال خبيب: إن سبب ذلك يرجع إلى عجز هؤلاء الخبراء
عن التوصل إلي أساس صحيح يمكن إقامة صرح التشريع عليه.. إنهم يجدون أن القيم التي
يحاولون جمعها في هيكل الدستور يستحيل وضعها في ميزان واحد.. وأن مثل رجل القانون
في محاولته هذه كمثل الرجل الذي يزن مجموعة من الضفادع بمجموعة أخرى مماثلة ؛
فكلما وضع مجموعة في كفة وجد أن ضفادع الكفة الثانية قد وثبت إلي الماء مرة أخرى،
ومن ثم باءت كل الجهود- التي استهدفت الحصول علي الدستور المثالي- بالفشل الذر يع.
لقد عبر الأستاذ (و. فريدمان ) عن هذه المشكلة
قائلا: ( وإنها لحقيقة: أن الحضارة الغربية لم تجد حلا لهذه المشكلة غير أن تنزلق
من وقت لآخر، من نهاية إلي نهاية أخري)
ولاحظ (جون آستين) أن الدستور- أي دستور- لايصبح
نافذ المفعول إلا إذا كانت تسنده قوة من ورائه، فعرف (القانون) في كتابه، الذي نشر
لأول مرة عام1861 علي النحو التالي: (القانون هو الحكم الذي أصدره (رجل رفيع
المنزلة سياسيا لمن هو أدني منه في المرتبة السياسية)
وقد أصبح التشريع بناء على هذا التعريف (مرسوما
لصاحب السيادة)
ولذلك شن المحدثون من العلماء حملة شديدة علي هذه
الفكرة، وقالوا: إنه لا يمكن منع انحرافات الحكام إلا إذا كان (رضا الشعب العام)
دعامة أساسية في التشريع.. وأنكروا أي قانون أو دستور لا يحرز رضا الجماهير ؛
وترتب علي ذلك أن ضوابط كثيرة يجمع علي صحتها وإفادتها