الإسلام بمبادئه.. كما هو بتاريخه جميعا
لم يضع نفسه بديلاً عن العلم والحضارة، ولا عدوّاً للعلم والحضارة.
لقد وجدته يضع نفسه إطارا للعلم
والحضارة، ومحورا للعلم والحضارة، ومنهجا للعلم والحضارة في حدود إطاره ومحوره
الذي يحكم كل شؤون الحياة.
ووجدته الإعلان الشامل لحرية العقل
البشري تجاه الكون المادي، وقوانينه، وقواه، ومدخراته.
ووجدته الإيذان العام بانطلاق العقل
الإنساني ليعمل ويبدع في ذلك الملك العريض الذي استخلفه ربه فيه.
إن الإسلام يكل رسم التصميم الأساسي
للحياة البشرية، إلى العلم الكامل الشامل، المبرأ من الجهل والقصور والهوى كذلك..
إنه يكله إلى علم الله.
سكت قليلا، ثم قال: إن هذه الحضارة التي
تحيط بالبشرية اليوم، تحطم أهم ما في كيان (الإنسان) وتحارب أرفع مقوماته
الإنسانية، وفي الوقت الذي تقدم له تلك التسهيلات الرائعة - وإن كانت هذه
التسهيلات قد تكون مؤذية لكيانه المادي ذاته.
والإسلام - بطبيعة تصوره لحقيقة الكون
ودور الإنسان فيه، وبطبيعة منهجه الواقعي التجريبي- لن يعمد إلى المصانع فيحطمها!
ولن يعمد إلى تلك التيسيرات التي تقدمها الصناعة للحياة البشرية فيلغيها!
ولكن الإسلام سيعمد - ابتداء - إلى تغيير
النظرة إلى هذه الحضاريات وقيمتها.. سيمنحها قيمتها الحقيقية بلا مبالغة وبلا بخس
كذلك! بحيث يصبح الروح الإنساني المؤمن هو المسيطر عليها. لا أن تكون هي المسيطرة
عليه، وعلى تصوراته ومشاعره وأوضاعه وأنظمته..