أولئك الكرام الطيبون
أن أشنق بدلهم.. لقد كنت أقف معهم أمام حبل المشنقة، وفي قلبي من الأحزان ما لا
تستطيع الدنيا جميعا تحمله.. ولكني مع ذلك لم أكن أملك إلا أن أطيعهم وألبي
رغبتهم.
قال رجل منا بعجب: تلبي رغبتهم.. أم تلبي
رغبة مسؤوليك؟
نظر إليه السجان، وقال: في الحقيقة كنت
أعتبرهم المسؤولين الحقيقيين الذين تجب طاعتهم.. كنت أعتبرهم أولياء الأمر الذين
أمر الله أن نمد أيدينا إليهم بالمبايعة والطاعة.. ليس ذلك خروجا مني عن الحاكم..
لأني أعلم أن الحاكم الذي كان يحكم هذه البلاد نفسه لم يكن يملك من الأمر شيئا..
لقد كنا مستعمرين لذلك المجرم الكبير
الذي ينهب ثرواتنا، ويمتص عرقنا، ويتسلى في الأخير بالتفرج على خير أبنائنا، وهم
يقدمون للمشانق.
قال الرجل: فكيف اعتبرتهم أولياء أمرك..
وأنت تقدمهم إلى الموت.. أم أن ذلك هو عربون طاعتك لهم؟
قال السجان: لقد كنت أنفذ ذلك طاعة لهم..
استغربنا جميعا، وقلنا: كيف ذلك؟
قال: كنت أعرف الخطة التي أعدها مدير
السجن.. والتي أراد بها أن يستثمر دماء الضحايا في سبيل تلك الغاية النبيلة التي
حدثكم عنها.. هو ـ يحكم منصبه ـ لم يكن يملك إلا التنفيذ.. ولكني بحكم منصبي،
وبحكم علاقتي السابقة بأولئك الشهداء الطيبين، جلست إليهم واحدا واحدا.. وأخبرتهم
بما سيحصل لهم.. وخيرتهم بين أن أنقذهم من الموت الذي ينتظرهم، وبين أن يموتوا تلك
الموتة التي رأيتموها..