عبد القادر: بل إن تكريم محمد (ص) ومعرفة قدره العظيم لم يقتصر على البشر، فقد شهدت له الأرض بحجارتها وأشجارها وحيواناتها، فقد كانت تظهر له من المودة والحنين والحب ما تنافس به البشر أنفسهم، وقد كان (ص) يبادل هذه الكائنات مشاعرها، فكان يقول عن أحد: (هذا جبل يحبنا ونحبه)([875])

وروي بأسانيد كثيرة([876]) أن النبي (ص) كان يخطب إلى جذع نخلة، فاتخذ له منبر، فلما فارق الجذع، وغدا إلى المنبر الذي صنع له حن له كما تحن الناقة([877])، فنزل رسول الله (ص) فضمه إليه،فسكن، فأمر به أن يحفر له ويدفن)

ومن ذلك ازدلاف البدنات لما أراد نحرهن إليه (ص)، فعن عبد الله بن قرط قال: قرب لرسول الله (ص) خمس أو ست بدنات ينحرهن يوم عيد فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها، قال: فتكلم بكلمة لم أفهمها، فسألت الذي يليه فقال: قال: (من شاء فليقتطع)([878])

الشهادة:

وفي الوقت الذي كذب فيه (ص) كانت هذه الكائنات تقف شاهدة له:

ففي الحديث عن جابر قال: أقبلنا مع رسول الله (ص) من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط بني النجار إذا فيه جمل لا يدخل أحد إلا شد عليه، فذكر ذلك لرسول الله (ص) فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير، فجاء واضعا مشفره إلى الأرض حتى برك بين يديه، فقال النبي (ص): (هاتوا خطامه)، ودفعه إلى صاحبه ثم التفت إلى الناس، فقال:

[875] رواه البخاري ومسلم.

[876] روى القصة جمع من الصحابة، منهم أبي بن كعب رواه الشافعي وأحمد وابن ماجه والبغوي وابن عساكر،ومنهم أنس بن مالك رواه أحمد والترمذي وصححه وأبو يعلى والبزار وابن ماجه وأبو نعيم من طرق على شرط مسلم، ومنهم بريدة، رواه الدارمي، وجابر بن عبد الله، رواه أحمد والبخاري والترمذي، والمطلب بن أبي وداعة، رواه الزبير بن بكار، وأبو سعيد الخدري، رواه عبد بن حميد وابن أبي شيبة، وأبو يعلى وأبو نعيم بسند على شرط مسلم، وعائشة رواه الطبراني والبيهقي، وأم سلمة رواه أبو نعيم والبيهقي بإسناد جيد.

كلها روي بألفاظ متقاربة المعنى وهو بذلك حديث متواتر المعنى.

[877] وفي لفظ: فخار كخوار الثور، وفي لفظ: فصاحت النخلة صياح الصبي حتى تصدع وانشق.

[878] رواه أبو داود والنسائي.