أجير بولس: لقد ذكر الكتاب
المقدس عن المسيح أن المجوس عرفوا أنه المسيح.
عبد القادر: وقد روي من ذلك
الكثير عن معرفة أهل الكتاب وغيرهم بمحمد (ص)، فقد روي عن رجل من العرب كان عائفا،
فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويعتاف لهم فيهم، فأتى به
أبو طالب، وهو غلام مع من يأتيه، فنظر إلى رسول الله (ص)، ثم شغله عنه شيء، فلما فرغ
قال: الغلام.. علي به، فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه، فجعل يقول: ويلكم
ردوا علي الغلام الذي رأيت آنفا، فوالله ليكونن له شأن، فانطلق به أبو طالب خوفا
عليه([32]).
وعندما خرج مع عمه أبي طالب في تجارة إلى
الشام، ونزل الركب ببصرى، كان هناك راهب يقال له (بحيرى) في صومعة له، وكانوا
كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام، فلما نزلوا
به قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا، وسبب ذلك هو أنه رأى رسول الله (ص)، وهو في صومعته في
الركب حين أقبلوا، وغمامة تظله من بين القوم، ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا
منه، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله (ص) حتى استظل تحتها،
فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا
معشر قريش، فأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وعبدكم وحركم.
فقال له رجل منهم: والله يا بحيرى إن لك
لشأنا اليوم، فما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنا نمر بك كثيرا، فما شأنك اليوم؟
فقال له بحيرى: صدقت، قد كان ما تقول،
ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما، فتأكلوا منه كلكم.
فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله (ص) من بين القوم لحداثة
سنه في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف
ويجد عنده، فقال: يا معشر قريش، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي ؛ قالوا له: يا
بحيرى، ما تخلف عنك أحد ينبغي