ولقد كنا نجد في صدورنا خفقانا كوقع
الحصى في الطاس ما يهدأ ذلك الخفقان، ولقد رأينا يومئذ رجالا بيضا، على خيل بلق،
عليهم عمائم حمر، قد أرخوها بين أكتافهم، بين السماء والارض كتائب كتائب ما يليقون
شيئا، ولا نستطيع أن نتاملهم من الرعب منهم)
وعن ربيعة بن أبزي قال: حدثنى نفر من
قومي، حضروا يومئذ قالوا: كمنا لهم في المضايق والشعاب، ثم حملنا عليهم حملة،
ركبنا أكتافهم حتى انتهينا إلى صاحب بغلة شهباء، وحوله رجال بيض حسان الوجوه،
فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا.
فانهزمنا، وركب المسلمون أكتافنا، وكانت
إياها، وجعلنا نلتفت وإنا لننظر إليهم يكدوننا فتفرقت جماعتنا في كل وجه، وجعلت
الرعدة تستخفنا حتى لحقنا بعلياء بلادنا، فان كنا ليحكى عنا الكلام ما ندري به،
لما كان بنا من الرعب، وقذف الله تعالى الاسلام في قلوبنا.
وعن شيوخ من ثقيف أسلموا بعد ما كانوا
حضروا ذلك اليوم قالوا: ما زال رسول الله (ص) في طلبنا فيما نرى، ونحن مولون حتى إن
الرجل ليدخل منا حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره من رعب الهزيمة.
***
ما وصل عبد القادر من حديثه إلى هذا
الموضع حتى ارتفعت تكبيرات الجماعة الملتفة حوله، وأعلن الكثير منهم إسلامه.
تقدم أحدهم، وقال: لقد نفخت فينا كلماتنا
من روح العزة والهمة ما كنا نفتقده، وقد أيقنا أن النصر من الله، وأن من ينصر الله
لا بد أن ينتصر لا محالة.
وقال آخر: لقد كان قومنا يسموننا
منبوذين، وقد ظللنا دهرنا نعاني هذا النبذ، ولا نرى لنا من مخرج من هذا النبذ إلا
أن نتمسك بالعزة التي يملؤنا بها هذا الدين.
وقال آخرون كلاما قريبا من هذا.
لم نجد أنا وبولس إلا أن ننصرف، ومعي
بصيص جديد من النور، اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد (ص).