ومن كبار المستهزئين أم جميل زوجة أبي لهب، وأخت أبي سفيان، وقد كانت تؤذي رسول الله (ص) كثيرا، وهي حمالة الحطب، وإنما سماها الله تعالى بذلك لأنها كانت تحمل الشوك فتطرحه بالليل على طريق رسول الله (ص) حيث يمر هو وأصحابه لتعقرهم بذلك.

فبينا هي ذات يوم تحمل حزمة أعيت فقعدت على حجر تستريح أتاها ملك فجذبها من خلفها بالحبل الذي في عنقها فخنخقها به.

ومنهم رجل كان يختلج بوجهه إذا تكلم النبي (ص)، ففي الحديث: كان رجل يجلس إلى النبي (ص) فإذا تكلم النبي (ص) بشئ اختلج بوجهه، فقال له النبي (ص): (كن كذلك)، فلم يزل يختلج حتى مات([721]).

ومنهم ناس كانوا يغمزون في قفاه (ص) ففي الحديث: مر النبي (ص) على ناس بمكة، فجعلوا يغمزون في قفاه، ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي، ومعه جبريل، فغمز جبريل، فوقع مثل الظفر في أجسادهم، فصارت قروحا حتى نتنوا، فلم يستطع أحد أن يدنو منهم فأنزل الله تعالى:﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ﴾ (الحجر:95)([722])

ومنهم نفر من اليهود أرادوا الفتك به (ص) فقد روي أن رسول الله (ص) خرج الى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين، فقالوا: اجلس يا أبا القاسم، حتى تطعم وترجع بحاجتك، فجلس ومن معه في ظل جدار ينتظرون أن يصلحوا أمرهم فلما خلوا والشيطان معهم ائتمروا بقتل رسول الله (ص) فقالوا: لن تجدوه من الآن، فقال رجل منهم: إن شئتم ظهرت فوق البيت الذي هو تحته فدليت عليه حجرا فقتلته، فجاءوا إلى رحى عظيمة ليطرحوها عليه، فأمسك الله عنها أيديهم، وأخبره بما ائتمروا به من شأنه، فقام ورجع أصحابه، ونزل القرآن:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا

[720] رواه البيهقي وابو نعيم عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه، والبيهقي عن قتادة وأبو نعيم وابن عساكر عن عروة عن هبار بن الاسود، وابو نعيم عن طاوس، وابن اسحاق وابو نعيم عن محمد بن كعب القرظي، يزيد بعضهم على بعض.

[721] رواه أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي.

[722] رواه البزار والطبراني.