لم أنتظر بولس، فقد أخبرني بعدم تمكنه من
زيارتي اليوم، فلذلك بقيت أفكر أين أذهب، وبمن أتصل، وفجأة خطر على بالي الموعد
الذي عقده عبد القادر مع أولئك المستضعفين المنبوذين ليحدثهم عن حماية الله لنبيه (ص)، فسررت كثيرا لهذه
الفرصة العظيمة.
سرت إلى ذلك المحل، وكلي همة ونشاط، وكلي
ـ في نفس الوقت ـ أسف على صاحبي بولس الذي ستفوته فرصة التعرض لهذه الأنوار
الجديدة من شمس محمد (ص).
لكني ما وصلت إلى ذلك المحل حتى رأيت من
بعيد صاحبي بولس في نفس ذلك المحل متخفيا عن الجمع، بحيث يسمع من غير أن يراه أحد،
فلذلك تخفيت أنا الآخر حتى أرى بولس من غير أن يراني، وأسمع عبد القادر من غير أن
يلحظ الجمع ذلك مني.
جاء عبد القادر بأنوار الإيمان التي تسري في كل كيانه، وقال للجمع
المحيطين به، والذين ازدادوا كثرة على كثرتهم: لقد طلبتم مني الحديث عن حماية الله
لنبيه محمد (ص).
قال أحدهم: أجل، فنحن نتعجب كيف
استطاع محمد في تلك البيئة الموبوءة بالعداء له أن يحمي نفسه، ويحمي رسالته.
قال آخر: إن نجاته من كل تلك الأهوال
برسالته كنجاة رجل غرق في عرض المحيط، وغرقت معه كنوز كثيرة يحملها، لكنه فجأة قطع
عشرات الآلاف من الأميال ليخرج لا وحده فقط، بل تخرج معه كل كنوزه، لا يضيع منها
كنز واحد.
عبد
القادر: إنها حماية الله.. لقد حمى الله
رسوله ليؤدي الرسالة التي كلف بها، كما حمى جميع أنبيائه، قال تعالى:﴿ ثُمَّ
نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ
الْمُؤْمِنِينَ﴾ (يونس:103)،
وقال تعالى ذاكرا نبيه يونس :﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ
وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الانبياء:88)
أنتم
تلاحظون أن القرآن الكريم يربط في هذا بين المؤمنين والأنبياء، فالله تعالى يحمي
المؤمنين المستضعفين الذي تكون لهم همة الخروج من استضعافهم من كل ما يكيده
أعداؤهم لهم، لقد قال تعالى في ذلك:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ (الحج:38)
قال رجل من الجمع: لقد
عرفنا أمس مواطن البلاء الكثيرة التي تعرض لها محمد (ص)، فحدثنا اليوم عن جنود
الحماية التي وفرها الله له.