أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت
تريد به الشرف سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد ملكا ملكناك
علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطلب وبذلنا
فيه أموالنا حتى نبرئكك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه.
حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله (ص) يسمعه منه قال له:
أقد فرغت أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني قال: أفعل.
فقرأ عليه رسول الله (ص) من أول سورة فصلت
إلى قوله تعالى:﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ
صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ (فصلت:13)، فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف
عنه، ثم انتهى رسول الله (ص) إلى السجدة منها فسجد ثم قال: قد سمعت أبا الوليد ما سمعت، فأنت
وذاك، فقال: ما عندك غير هذا؟ فقال: ما عندي غير هذا.
فقام عتبة، ولم يعد إلى أصحابه واحتبس
عنهم فقال أبو جهل: والله يا معشر قريش ما نرى عتبة إلا قد صبا إلى محمد وأعجبه
طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، فانطلقوا بنا إليه، فأتوه.
فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما جئناك
إلا أنك قد صبوت إلى محمد وأعجبك أمره فإن كان لك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما
يغنيك عن طعام محمد.
فغضب، وأقسم لا يكلم محمدا أبدا وقال:
لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته، فقص عليهم القصة.
قالوا: فما أجابك؟ قال: والله الذي نصبها
بنية ما فهمت شيئا مما قال غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، فأمسكت بفيه
وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل
عليكم العذاب.
قالوا: ويك يكلمك الرجل بالعربية لا تدرى
ما قال؟ قال: والله ما سمعت مثله، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا
معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه فو الله
ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على
العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به، يا قوم أطيعوني في هذا الأمر
واعصوني بعده، فو الله لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت أذناي كلاما مثله وما
دريت ما أرد عليه.