ومن ذلكمساومته على أن يطرد المستضعفين، ففي الحديث: مر الملأ
من قريش على النبي (ص) وعنده عمار، وبلال، وخباب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا
محمد أرضيت بهؤلاء من قومك منّ الله عليهم من بيننا، أو نحن نكون تبعاً لهؤلاء؟
اطردهم عنك، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك، فأنزل فيهم القرآن:﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ
الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ
وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ
مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ
فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)﴾(الأنعام)([658])
وورد في الحديث: مشى عتبة بن ربيعة،
وشيبة بن ربيعة، وقرظة بن عبد، وغيرهم في أشراف الكفار من عبد مناف إلى أبي طالب
فقالوا: لو أن ابن أخيك طرد عنا هؤلاء الأعبد، فإنهم عبيدنا وعسفاؤنا كان أعظم له
في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقه، فذكر ذلك أبو طالب للنبي
(ص)، فقال عمر: لو فعلت
يا رسول الله حتى ننظر ما يريدون بقولهم، وما يصيرون إليه من أمرهم، فأنزل الله:﴿
وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ
لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا
تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ
عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ
(52)﴾(الأنعام)([659])
وقد استمر هذا النوع من المساومة حتى بعد
هجرة النبي (ص)، فعن عمر بن عبد الله أنه قال في أسطوان التوبة: كان أكثر نافلة
النبي (ص) إليها، وكان إذا صلى
الصبح انصرف إليها وقد سبق إليها الضعفاء، والمساكين، وأهل الضر، وضيفان النبي (ص) والمؤلفة قلوبهم،
ومن لا مبيت له إلا المسجد، قال: وقد تحلقوا حولها حلقاً بعضها دون بعض فينصرف
إليهم من مصلاه من الصبح، فيتلو عليهم ما أنزل الله عليه من ليلته، ويحدثهم
[658] رواه أحمد وابن جرير
وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية.