هم ـ من حيث لا يشعرون ـ يجعلون الله كأولئك الشعراء الذين ضاقت بهم أجواء البيئة العربية، فراحوا ينفسون عن أنفسهم بالأشعار.. فلم تخرج أشعارهم عن بيئتهم.
البيئة العربية ـ يا صاحبي ـ أضيق من أن تحتوي الحقائق التي نطق بها كتاب الله الذي جاء رسالة للبشرية جميعا، وفي بيئاتها جميعا، وفي أزمنتها جميعا.
وقد كان من إعجاز القرآن أنه حوى الحقائق من غير أن يصادم القدرات العقلية للبيئة التي نزل فيها، وللعصور التي سبقت عصرنا.
إن هذا من دلائل الإعجاز.. لا من دلائل صرف الإعجاز، كما يدعي المقيدون بالقيود التي وضعتها عقول أسلافهم.
قال الثاني: ولكن الخوض في مثل هذا سيصرف الناس عن هداية القرآن ليحوله إلى كتاب علوم، لا كتاب هداية.
قال الأول: هو لن يكون كتاب هداية حتى يكون كتاب علوم.. الهداية ـ يا صاحبي ـ فرع عن العلم.. والجاهل لن يهديك إلا إلى جهله.
قال الثاني: العلوم مختلفة.. والعلوم التي جاء القرآن لتقريرها هي علوم الحقائق الأزلية، والوظائف التي كلف الله بها الإنسان.
قال الأول: أليس الله هو مبدع كل شيء؟
قال الثاني: أجل.. وهل في ذلك شك؟