فإنّا نرى هذا
العالم قد اُحكمت جميع جوانبه بحيث ينبغي أن تسير سيراً دائماً بلا زوال، لكن مع
ذلك نراها في زوال دائم ونقص راغم، وزوالها دليل على وجود مزيل لها.
فترى من هو
علّة الإماتة والزوال؟ ومن اللائق أن يكون هو القاهر في جميع الأحوال؟
هل الإنسان
بنفسه ـ وهو الذي يرغب أن يعيش دائماً ولا يموت أبداً ـ علّة لموت نفسه؟
أم هناك شيء
من الممكنات ـ التي هي مقهورة زائلة بنفسها ـ تتمكّن من القاهرية المطلقة؟
أم أنّ القاهر
لجميع المخلوقات هو القادر على خلقها فيقدر على فنائها؟
أليس هذا
دليلا على أنّ هناك من يُميت ويقدر على الإماتة، كما هو قادر على الإحياء؟
فنفس الموت
دالّ على وجود المميت، كما كان الإحياء دالاًّ على وجود المحيى.
فمن هذا الذي
يميته غير الذي يحييه؟ ومن هو قادر على الإبقاء والإفناء؟ ليس هو إلاّ الله الذي
بيده الموت والحياة.. والقادر على الإبقاء والإفناء، الخالق لجميع المخلوقات جلّ
شأنه وعظمت قدرته.
ما إن انتهى
الرسي من قوله هذا حتى طأطأ أبيقور رأسه، وقال: بورك فيك.. لقد أجبت ببراهينك هذه
على كل شبهة، وفندت ما كان يعشش في رأسي من وساوس الشياطين، واسمح لي أن أصحبك
لأتعرف على هذا الإله العظيم الذي كنت محجوبا عنه.
كبر جميع
الحاضرين.. وكبرت معهم من غير شعور.. ثم سرت إلى شارع آخر.. لأسمع مناظرة أخرى.