ولو تمكّنا من
إعطاء الوجود لأنفسنا، لأبقينا لها الوجود ضدّ الموت، ولا شكّ في عدم قدرتنا على
ذلك، بل عدم قدرة الأقوياء منّا ومن كان قبلنا على ذلك.
وأمّا جواب
الثاني: فلا شكّ أيضاً أنّ آباءنا لم يخلقونا، بدليل أنّهم لم يعرفوا أعضاءنا
وأجزاءنا ومطويات أبداننا ومضمرات أجسامنا، فكيف بخلقة حقيقتنا، ومعلوم أنّ الخالق
يلزم أن يعرف ما خلقه، والصانع يعرف ما صنعه.
مع أنّ آباءنا
بأنفسهم يموتون ولا يمكنهم إعطاء أو إبقاء الوجود لأنفسهم فكيف يعطونه لأبنائهم؟
لا يبقى بعد
التفحّص والإستقصاء إلاّ الشقّ الثالث، وهو أنّ الله هو الذي خَلَقَنا، وهو الذي
خلق كلّ شيء، وهو القادر على كلّ شيء الوجود والإفناء، والموت والبقاء، وهو الخبير
بمخلوقه بكلّ محتواه، والعالم بأولاه وعُقباه.
وبهذا
الإستقصاء التامّ تحكم الأفهام، بوجود الخالق العلاّم.
قال أبيقور:
فما البرهان الرابع؟
قال الرسي:
البرهان الرابع هو برهان الحركة.. فإنّا نرى العالم الكبير بجميع ما فيه متحرّكاً،
ويراه الجميع من الإلهيّين والمادّيين في تغيّر، والكلّ يعرفه بحركة وعدم سكون،
ومعلوم أنّ الحركة تحتاج إلى محرّك، وبديهي أنّ الأثر لابدّ له من مؤثّر، لأنّ
الحركة قوّة والقوّة لا توجد بغير علّة.
إذن فلابدّ
لهذه الحياة المتحرّكة في جميع نواحيها من أعلاها إلى أسفلها، بكواكبها وأراضيها
وشمسها وقمرها، وأفلاكها ومجرّاتها.. لابدّ لها ممّن يحرّكها ويديم حركتها، وحتّى
أجزاء العناصر الساذجة ثبت في علم الفيزياء أنّها تدور وتتحرّك حول مركزها بدوام.