يعطيها ثوب الحياة.. ولكن إمكان الخلق
في هذه المحولة بعد كل هذا لا يعدو واحدا على عدة بلايين، ولو افترضنا أن (هيكل)
نجح في محاولته فإنه لن يسميها (صدفة)، بل هو حاكمه ومديره ومدبره، بل سوف يقررها
ويعدها نتيجة لعبقريته)
وقال عالم
الطبيعة الأمريكي (جورج إيرل ديفيس): (لو كان يمكن للكون أن يخلق نفسه فإن معنى
ذلك أنه يتمتع بأوصاف الخالق، وفي هذه الحال سنضطر أن نؤمن الكون هو الإله.. وهكذا
ننتهي إلى التسليم بوجود (الإله) ؛ ولكن إلهنا هذا سوف يكون عجيبا: إلها غيبيا
وماديا في آن واحد!! إننى أفضل حاكمه ومديره ومدبره، بدلا من أن أتبنى مثل هذه
الخزعبلات)
ما إن قال
البلاقلاني هذا حتى رأيت (ديموقريطس) قد تغير
وجهه، ثم نظر إلى ساعته وقال: ائذنوا لي.. لدي موعد.. ولا أستطيع أن أبقى هنا أكثر
من هذا.. ربما نلتقي مرة أخرى.
قال ذلك، ثم
انصرف مسرعا وعلى وجهه ترتسم ظلال أنوار لست أدري هل أنارت له، أم أنها وجدت من
الشياطين من أطفأها.
قال الجمع:
حدثتنا عن المناظرة الأولى.. فحدثنا عن المناظرة الثانية.
قال: في شارع
من شوارع تلك المدينة العجيبة رأيت قوما من الناس يلتفون حول رجلين..
أما أحدهما
فكان بادي الصلاح.. وكان الناس يطلقون عليه لقب (القاسم الرسي)([34])
[34] أشير به إلى (أبي محمد الرسي) وهو القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل
بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهو منسوب إلى ضيعة كانت له جهة
المدينة يقال لها الرس، لم يسمح المنصور له بالإقامة فيها في كفاف من العيش، بل
طلبه مع الطالبيين ففر إلى السند، وأعقب من ولده ثمانية أنبههم الحسين بن القاسم
وكان زاهداً ومن نسله أئمة صعدة، (وأئمة صعدة من اليمن كانوا زيدية)، وذكر ابن
خلدون في التاريخ أنه توفي سنة 245 هـ
والمناظرة
منقولة من كتابه (الدليل الكبير في الرد على الزنادقة والملحدين)، والكتاب من
جزئين: جزء يذكر فيه المؤلف أدلة وجود الله وينقد أدلة المعارضين ثم يبين صحة
الإسلام ويتكلم في بعض مسائل العقيدة، والجزء الثاني عبارة عن مناظرة دارت بينه
وبين ملحد كان يدور في البلاد يثير الشبهات حتى تلقفه الرسى ودارت بينهما مناظرة.
وقد
جاء في مقدمة الكتاب: ( هو كتاب رد فيه على رجل من أرباب النظر من الملحدة، وكان
يغشى مجامع المسلمين ويورد عليهم الأسئلة الصعبة، في قدم العالم وغير ذلك، حتى
وافاه المؤلف وأجابه على ما عنده من المشكلات فوضح له الحق وتاب إلى الله)
ونحب
أن ننبه هنا إلى أن ما نذكره من هذه المناظرة هو جزء بسيط فقط منها، وقد أضفنا
إليه ما يقتضيه المقام من الأدلة العقلية التي ذكرها المتكلمون.