وتنورها
بأنوار باهرة ساطعة ما لو تضاعف ما انتابني من صنوف الوحشة وأنواع الظلمات مائة
مرة، لكانت تلك الانوار كافية ووافية لإحاطتها.
فبدّلت تلك الانوار السلسلة
الطويلة من الوحشة إلى سلوان ورجاء، وحولّت كل المخاوف الى انس القلب، وأمل الروح
الواحدة تلو الاخرى.
نعم، إن الإيمان قد مزق تلك
الصورة الرهيبة للماضي وهي كالمقبرة الكبرى، وحوّلها إلى مجلس منوّر أنوس وإلى
ملتقى الأحباب، وأظهر ذلك بعين اليقين وحق اليقين…
ثم إن الإيمان قد أظهر بعلم
اليقين أن المستقبل الذي يتراءى لنا بنظر الغفلة، كقبر واسع كبير ما هو إلاّ مجلس
ضيافة رحمانية أعدّت في قصور السعادة الخالدة.
ثم إن الإيمان قد حطّم صورة
التابوت والنعش للزمن الحاضر التي تبدو هكذا بنظر الغفلة، وأشهدني أن اليوم الحاضر
إنما هو متجر أخروي، ودار ضيافة رائعة للرحمن.
ثم إن الإيمان قد بصّرني بعلم اليقين
أن ما يبدو بنظر الغفلة من الثمرة الوحيدة التي هي فوق شجرة العمر على شكل نعش
وجنازة. أنها ليست كذلك، وإنما هي انطلاق لروحي – التي
هي أهل للحياة الابدية ومرشحة للسعادة الأبدية – من وكرها
القديم إلى حيث آفاق النجوم للسياحة والارتياد.
ثم إن الإيمان قد بيّن بأسراره؛
أن عظامي ورميمها وتراب بداية خلقتي، ليسا عظاماً حقيرة فانية تداس تحت الأقدام،
وإنما ذلك التراب باب للرحمة، وستار لسرادق الجنة.
ثم إن الإيمان أراني - بفضل
أسرار القرآن الكريم - أن أحوال الدنيا وأوضاعها المنهارة في ظلمات العدم بنظر
الغفلة، لا تتدحرج هكذا في غياهب العدم – كما ظنّ في بادىء
الأمر – بل إنها نوع من رسائل ربانية ومكاتيب صمدانية، وصحائف نقوش للأسماء
السبحانية قد أتّمت مهامها،