بعد أن عرفت
الإنسان وقيمته.. رحت أبحث عن تصوراتي عن الكون.. فلا شك أن الأخطاء المنهجية التي
كنت أحملها أثناء بحثي فيه قد تسربت إلى نظرتي إليه..
لقد وجدت
تصوري البدائي للكون هو أنه مجرد كائن مادي عملاق لا غاية له..
وقد دعاني إلى
هذه النظرة ما كان يسيطر علي من منطق المادية التي تنكر الغائية.. ولذلك فإن الكون
في نظرها ليس سوى مادة، وبالتالي لا يمكن أن يكون في الأشياء الطبيعية أي هدف، لأن
المادة لا تستطيع أن تقصد هدفاً أو ترسم خطة، بل هي تتصرف بضرورة ميكانيكية داخلية
فحسب.
ولهذا، فإن
التفسيرات العلمية تفرض على الباحث أن يقتصر على الأسباب المادية والميكانيكية
فحسب.. فبيكون وديكارت كلاهما يستبعد من العلوم الطبيعية أي دعوة إلى الغائية([20]).. يقول
بيكون: (إن مطلب الغائية يفسد العلوم بدلا من أن يرقى بها).. ويقول ديكارت: (كل
ضروب الغائية لا قيمة لها في الأشياء المادية أو الطبيعية)
وانطلاقا من
هذه النظرة.. فإنه لا مكان لله في مثل هذا الكون..
لقد سأل
نابليون الرياضي والفلكي الشهير بيير سيموت لابلاس([21]) عن مكان الله
في نظامه الميكانيكي الخاص بالأجرام السماوية، فأجابه بقوله: (يا سيدي لست بحاجة
إلى هذا الافتراض)
لقد كان
العلماء في ذلك الحين يحتجون لهذا بأن الكون آلة تدير نفسها بنفسها، وبالتالي لا
[20] هذا الرفض ـ كما هو معلوم ـ يستند إلى أسباب منهجية، لأن بيكون
وديكارت لم يكونا من المؤمنين بالمذهب المادي أو من الملاحدة.
[21] بيير سيمون لابلاس (1749 - 1827م). فلكي ورياضي فرنسي اشتهر
بنظريته حول أصل النظام الشمسي.