من هذه
الأسئلة يتضح لك مدى صلاحية العلم الحديث لشرح العلل والأسباب وراء هذا الكون..
ولا شك أنه قد أبان لنا عن كثير من الأشياء التي لم نكن على معرفة بها، ولكن الدين
جواب لسؤال آخر لا يتعلق بهذه الكشوف الحديثة العلمية، فلو أن هذه الكشوف زادت
مليون ضعف عنها اليوم فسوف تبقى الإنسانية بحاجة إلى الدين، إن جميع هذه الكشوف (حلقات
ثمينة من السلسلة)، ولكن ما يحل محل الدين لابد أن يشرح الكون شرحا كليا وكاملا،
فما الكون على حاله هذه إلا كمثل ماكينة تدور تحت غطائها لا نعلم عنها إلا أنها
(تدور)، ولكنا لو فتحنا غطاءها فسوف نشاهد كيف ترتبط هذه الماكينة بدوائر وتروس
كثيرة يدور بعضها بعضا، ونشاهد حركاتها كلها.. هل معنى هذا أننا قد علمنا خالق هذه
الماكينة بمجرد مشاهدتنا لما يدور داخلها؟ هل يفهم منطقيا أن مشاهدتنا هذه أثبتت
أن الماكينة جاءت من تلقاء ذاتها، وتقوم بدورها ذاتيا؟ لو لم يكن هذا الاستدلال
منطقيا فكيف إذن نثبت بعد مشاهدة بعض عمليات الكون أنه جاء تلقائيا ويتحرك ذاتيا؟
لقد استغل
البروفيسور هريز هذا الاستدلال حين نقد فكرة داروين عن النشوء والارتقاء فقال:(
إن الاستدلال بقانون الانتخاب الطبيعي يفسر عملية (بقاء الأصلح)، ولكنه لا يستطيع
أن يفسر حدوث هذا الأصلح)
قال راسل:
دعنا من هذا، وأجبني على ما يقوله علم النفس الحديث المؤيد بالكثير من الوسائل
العلمية.. لقد أعطى هذا العلم العظيم تفسيره للدين والإله.. فذكر أن الإله
والآخرة ليسا سوى قياس للشخصية الإنسانية وأمانيها على مستوى الكون.. ما تقول
في هذا؟
ابتسم خان،
وقال: سأجيبك عن هذا بصروف من الإجابات..
وأبدأ أولها
بالتسليم الجدلي لك.. فأعتبر أن ما تقوله صحيحا.. ولكني أضم إلى ذلك دعوى
أخرى، وهي أن الشخصية الإنسانية وأمانيها ليست محصورة في الإنسان فقط.. بل هي
موجودة