قلت: الآية الوحيدة في كلّ القرآن، التي تذكر أنّ الله تعالى أيّد شخصاً بعينه بالجنود هي هذه؛ ففيها: وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا أمّا الآيات الشـريفة الأخرى فجاءت بلفظ: أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ([223]).
والسبب منطوٍ في أنّ التأييد بالجنود الملائكيّة الملكوتيّة محالٌ في غير المعصوم، كما أنّ نزول الملائكة نزولاً اصطفائياً محالٌ دون معصوم؛ ضرورةَ أنّ التأييد بالجنود يرادف النّصر والظفر؛ قال تعالى : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا .
وهذه معجزة لا تقع استقلالاً لغير معصوم على ما اتّضح في الفصل الأوّل ؛ إذ قد أجمع العلماء على امتناع صدور المعجزة عن غير معصوم ، من الخطّائين أو الكاذبين ؛ لاستحالة التمييز بين المعصوم وغيره من الكاذبين ، ولانعدمت الهداية ، وهو سفهٌ محال ينزّه عنه الحكيم سبحانه .
وقد مرّ في طالوت عليه الصلاة والسلام أنّ نزول السكينة، وإن شئت قلت التأييد بالجنود -وهما وجهان لحقيقة واحدة- ممتنعٌ إلاّ على معصوم؛ لضيق الظرف ؛ فالسكينة تعني فيما تعني الاصطفاء اليقيني، والتأييد بالملائكة القطعي، ونزول النصـر الحتمي، كما حصل لنبيّنا في بدر، ولطالوت عليه السلام مع جالوت.