عقل له وهو يطيع الشيطان ؟ فقلت له : وكيف يطيع الشيطان ؟ فقال : سله هذا الذي يأتيه من أيِّ شئ هو ، فإنّه يقول لك : من عمل الشيطان » . * الشرح : ( محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال : ذكرت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) رجلا مبتلى بالوضوء والصّلاة ) أي بالوسواس في نيتهما أو فعلهما أو بالمخاطرات التي تشغل القلب عنها ( وقلت هو رجلّ عاقل ) التنكير للتعظيم والتفخيم ( فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان ) إنكار لذلك القول على سبيل المبالغة ، فانَّ من يطيع الشيطان كأنّه لا عقل له فضلا عن أن يكون عقله كاملا ، ويحتمل أن يكون نفياً لعقله حين الإطاعة فيكون ردّاً لذلك القول على أن يكون قضيّة دائمة ، واعلم أنّ للشيطان تصرّفاً عجيباً في الإنسان وعملا غريباً معه . فإنّه إذا يئس من كفر من صحَّ إيمانه قصده بالوسوسة ليشغل سرّه بحديث النفس يكرّر عليه أفعاله ويؤذيه فربّما يتصرّف فيه بأمر النيّة وهي القصد إلى الفعل المأمور به تقرّباً إلى الله تعالى فيقول له : إنّك لم تقصد قصداً معتبراً ويقول الملك الموكّل بقلبه لتسديده إنّك قصدت ويقع بينهما تعارض يوجب تردّده فعند ذلك يقول له الشيطان : كيف قصدت مع هذا الترّدد فيبطله ويستأنف ، وهكذا دائماً وقد يقول له : لا يكفيك هذا القصد الإجمالي بل يجب عليك القصد إلى ما ينحل به تفصيلا ، فيشرع في تفصيل معنى القصد والفعل والأمر والقربة وغير ذلك ، وكلّما خطر معنى من هذه المعاني بالبال غفل عن الآخر لأنّ مشرب القلب ضيق فيقول له حينئذ لا بدّ لك من تدارك ذلك الآخر فيأمره بذلك دائماً فيبقى متردّداً بحيث لا يدري ما يفعل فيصير ذلك سبباً لقلقه واضطرابه حتّى كأنّه مجنون . وقد نقل عن ابن الباقلاني أنّه قال يجب على المصلّي في نيّة الصّلاة أن يستحضر العلم بالصانع وما يجب له وما يستحيل عليه وما يجوز له من بعثة الرُّسل وتأييدهم بالمعجزات ووجه دلالتها على صدقهم ويستحضر مع ذلك الطرق التي وصل بها التكليف ، ويستحضر حدوث العالم وما يتوقّف عليه العلم بحدوثه من إثبات الأعراض واستحالة خلوِّ الجوهر عنها وإبطال حوادث لا أوّل لها ، ويستحضر الصّلاة بجميع أجزائها وأفعالها وشرايطها . وقال المازري : إنّي أردت اتّباع الباقلاني في ذلك القول فرأيت في منامي كأني أخوض بحراً من ظلام فقلت : هذه والله قول ابن الباقلاني . وربّما يتصرّف في قلبه ويشغله عن ذكر ربّه وعن أفعال العبادة وأجزائها ويقول له : أذكر كذا وكذا وافعل كذا وكذا إلى غير ذلك من المخاطرات الرديّة ، فيصير بحيث لا يعلم ما فعل وكم صلّى . وقد قيل : إنَّ رجلا شكا إلى بعض أهل العلم أنّه خبأ شيئاً فلم يدر أين هو فأمر أن يصلّي ركعتين ويجتهد أن لا يحدّث فيهما نفسه ففعل فجاءه الخبيث فذكره أين خبأه .