الصالحة والأفعال الفاضلة ، فاعلا لها على وجه الاخلاص الموجب لكمال القرب والاختصاص ، ويحتمل أن يراد وارداً على ما هو آت من الثواب الجزيل والأجر الجميل والنعيم المقيم والسرور الدائم في رياض الجنان ( يعرف ما هو فيه ) حال عن المستتر في « مستدركاً » وتأكيدٌ للكلام السابق ( 1 ) وما للاستفهام أو للخبر بمعنى الّذي والضمير المرفوع يعود إلى الإنسان والضمير المجرور إلى « ما » يعني أنَّ الإنسان إذا بلغ حدَّ الكمال واتّصف بالأُمور المذكورة مستدرك لما فات وهو يعرف حقيقة الفعل الّذي اشتغل به ووجوه اعتباراته وجهات حسنه وطريق الاتيان به على وجه يوافق قانون العقل والنقل ، ويحتمل أن يكون المراد « بما هو فيه » المكان الّذي هو فيه ، يعني يعرف حقيقة هذا المكان ومهيّة هذه النشأة وسرعة انتقال أهلها منها وكثرة ابتلائهم فيها بالتكليف وغيرها ( ولايِّ شئ هو ههنا ) كلمة أيُّ معرب يستفهم بها عمّا يميز الشئ سواء كان ذاتياً له أو عرضياً يعني يعرف أنّه لأيِّ شئ هو في هذه الدَّار الفانية وأنّ الغرض من كونه فيها تكميل النفس بالقوّة النظريّة والعمليّة وتحريكها من المنازل السفليّة الظلمانيّة إلى أقصى المعارج الملكوتية النورانيّة واكتسابها للقربات واجتنابها عن المنهيات ليستأهل النزول في بساط الحقِّ والقعود عليه وفيه إشارة إجمالية إلى معرفة مقامات النفس ومراتب درجاتها ( ومن أين يأتيه ) أين سؤال عن المكان يعني يعرف من أيِّ عالم يأتي هذا العالم الداثر الّذي فيه اليوم ويعرف ما بينهما من التفاوت فانَّ الأوَّل عالم روحانيّ ومكان نوراني ( 2 ) . والثاني عالم جسمانيّ ومكان ظلماني حبس فيه الرُّوح ما شاء الله ليتذكّر قدر تلك النعمة ويسلك منهج النجاة ويعترف بالعجز والافتقار ويقرَّ لربّه بالقهر والغلبة . وفيه إشارة إلى علمه بأحوال مبدئه ومنازل انتقالاته في النشأة الكونيّة الّتي يتحيّر فيها عقول العقلاء وفحول العلماء وقد أشار جلّ شأنه إلى هذه المراتب بقوله : « وما لكم لا ترجون لله وقاراً وقد خلقكم أطواراً » ومن تأمّل فيه اضطرَّ إلى معرفة خالقه والانقياد له وإلى علمه بأنَّ الغرض من اجرائه من جداول أصلاب الآباء وأرحام الأُمّهات عهداً بعيداً أي أن جرى على وجه الأرض أن يحصل منه زرع صالح ونبات حسن وهي الأعمال الّتي يوجب أجراً جميلا وثواباً جزيلا بعد العود ( وإلى ما هو صاير ) يعني يعرف أنّه بعد استقراره في الدنيا في أجل معدود وزمان محدود يصير إلى مقام آخر فيه « تجد كلُّ نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تودُّ لو أنَّ بينهما وبينه أمداً بعيداً » وفيه إشارة إلى علمه بأحوال
1 - وناظر إلى قوله « كيف » كما أن « لأي شئ هو ههنا » ناظر إلى قوله « لم » و « من أين يأتيه ، وإلى ما هو صائر » ناظر إلى قوله « حيث » ( ش ) . 2 - مبناه على مذهب صدر المتألهين ( قدس سره ) ان النفس روحانية البقاء وجسمانية الحدوث . ( ش )