المجالس وإبعاده عن مجالسته وزجره عن مؤاكلته والعنف عن رد قوله والغلظة على المتعلمين وذوي الحاجات وإذلالهم وغيبتهم والتطاول عليهم في القول ، وأما التروك فكترك التواضع وترك معاشرة الفقراء وترك الرفق بالناس ونحوها وأما المذام الواردة فيه فهي أيضاً كثيرة من القرآن والسنة كقوله تعالى : ( يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ) وقوله ( صلى الله عليه وآله ) « يقول الله عز وجلّ الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما ألقيته في جهنم » ( 1 ) وقول الباقر والصادق ( عليهما السلام ) « لا يدخل الجنّة من في قلبه مثال ذرّة من كبر » ( 2 ) قيل وإنّما صار الكبر حجاباً من دخول الجنّة لأنّه يحول بين العبد والفضائل الّتي هي أبواب الجنّة إذ الكبر يغلق تلك الأبواب كلّها فلا يقدر العبد ومعه شئ من الكبر أن يحب للمؤمن ما يحبّ لنفسه ولا يتمكّن من ترك الرّذايل الّتي توجب الدّخول في النّار وفعل أضدادها من الفضائل كالتواضع وكظم الغيظ وحبّ الفقراء والمساكين وحبّ معاشرتهم ومجالستهم وقبول الحقِّ والرِّفق . وبالجملة ما من خلق ذميم إلاّ وصاحب العزّ والكبر مضطرّ إليه ليحفظ به عزّه وعظمته وما من خلق فاضل إلاّ وهو عاجزٌ عنه خوفاً عن أن يفوته عزّه وعظمته لأنّ الأخلاق الذّميمة علّة مسرية ( 3 ) يستلزم بعضها بعضاً فلذلك لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرّة من كبر . ( والتؤدة وضدّه التسرُّع ) التؤدة بضم التاء وفتح الهمزة وسكونها الرّزانة والتأني والتثبّت في الأمر وقد اتّأد فيه ويؤدّ أي يتأنّى ويتثبّت وهو افتعل ويفعل والتاء في اتّاد بدل من الواو والتؤدة صفة تابعة للسكون والحلم واللّذين هما من أنواع الاعتدال في القوّة الغضبيّة فإنّ حصولها يتوقّف عليهما أمّا على السّكون فلأنّه عبارة عن ثقل النّفس وعدم خفّتها في الخصومات وأمّا على الحلم فلأنّه عبارة عن الطمأنينة الحاصلة للنفس باعتبار ثقلها وعدم خفّتها بحيث لا يحرِّكها الغضب بسرعة وسهولة وإذا حصلت للنفس هاتان الصفتان أمكن لها التثبت والتأنّي وعدم العجلة في البطش والضرب والشتم إلى
1 - أخرجه ابن ماجة تحت رقم 4174 ، ورواه صاحب الكافي كتاب الايمان والكفر تحت رقم 3 و 4 باختلاف في اللفظ من حديث أبي جعفر ( عليه السلام ) . 2 - الكافي باب الكبر تحت رقم 5 ، ورواه مسلم من حديث عبد الله بن مسعود ج 1 ص 65 . 3 - يعني علة سارية كالوباء أو مسرية لغيرها كالسل يستلزم الحمى ، فإن قيل بعض أهل التكبر وطالبي الجاه والعزة يتكلفون فضائل ليحسن سمعتهم فيتواضعون ويبذلون الأموال ويرفقون بالناس ويتظاهرون بأكثر الفضائل كمعاوية . قلنا إنما الأعمال بالنيات والذي يبذل المال لحفظ الجاه لا يضع إحسانه موضع الاحسان بل يبذل للشعراء والفساق حتى يمدحوهم بما ليس فيهم ولمن يروج أمرهم ويصفهم في المجالس بالصفات الحسنة كالعلم والتقوى ويمنعون من لا يتقرب إليهم وإن كانوا أحوج وأحق وليس هذا البذل من الفضائل المأمور بها في الشرع وكذلك التواضع والتحالم وغيرها ( ش ) .