E / في السلم وعدم الغيلة الضحاك المشرقي - وكان من أصحاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) - قال : لما أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا ، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة ، فلم يكلمنا حتى مر على أبياتنا ، فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلا حطبا تلتهب النار فيه ، فرجع راجعا ونادى بأعلى صوته : يا حسين ! استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة ! فقال الحسين ( عليه السلام ) : " من هذا ؟ كأن شمر بن ذي الجوشن " ؟ ! فقالوا : نعم أصلحك الله ، هو هو . فقال له الحسين ( عليه السلام ) : " يا بن راعية المعزى ! أنت أولي بها صليا " ! فقال له مسلم بن عوسجة : يا بن رسول الله جعلت فداك ألا أرميه بسهم ، فإنه قد أمكنني ، وليس يسقط سهم مني ، فالفاسق من أعظم الجبارين ! فقال له الحسين ( عليه السلام ) : " لا ترمه ، فاني أكره أن أبدأهم " . ( 1 ) هذه هي الأخلاق الحسينية ، إنها لا ترخص البدء في الحرب ، لأن الحسين رحمة قبل العنف ودفاع قبل الهجوم وسلم قبل الحرب . ولكن انظر إلى خساسة عدوه ، فقد جلس ( الشمر القاتل ) على صدر الحسين فتبسم الحسين في وجهه ونصحه ووعظه . إلا أن اللعين حز رأسه الشريف ثم أمر بسلب ما عليه حتى ملابسه ، ثم رضوا جسده الشريف بحوافر الخيل وكسروا أضلاعه وعظامه وتركوا جسده على الأرض ثلاثة أيام . إن هذا الحقد العجيب كان في مواجهة تلك الأخلاق الكريمة التي أصدرت أمرا بعدم رمي راعية المعزى وهو الذي قطع رأس الحسين ( عليه السلام ) وأمر بسلبه ، ذلك مالم يرتضيه حتى عرب الجاهلية . فقد ورد أن عليا ( عليه السلام ) لما قتل عمرا - وهو الكفر كله - لم يسلب منه حتى درعه الذي لم يكن له نظير في ذلك الزمان على ما قيل ولم يكن من لباسه وقد سئل ( عليه السلام ) عن ذلك فقال : إنه كبير قومه ولا أحب هتك حرمته ، وبذلك فرحت أخته لما رأت أخاها غير مسلوب ، وعلمت أن قاتله علي ( عليه السلام ) ، فكان فرحها لشيئين :
1 - تاريخ الطبري 3 : 318 ، الارشاد : 233 ، الكامل في التاريخ 2 : 561 اختصارا ، بحار الأنوار 45 : 5 ، العوالم 17 : 248 ، وقعة الطف : 204 .