فقال له اخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر : ولم نفعل ذلك ؟ لنبقى بعدك ؟ لا أرانا الله ذلك أبدا . بدأهم بهذا القول العباس بن علي ( عليهما السلام ) واتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه . فقال الحسين ( عليه السلام ) : " يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم ، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم " . قالوا : سبحان الله فما يقول الناس لنا ؟ يقولون : إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا لا والله لا نفعل ذلك ولكن نفديك أنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك . وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال : أنحن نخلي عنك ولما نعذر إلى الله في أداء حقك ، أما والله حتى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة والله لا نخليك حتى يعلم الله إنا قد حفظنا غيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيك ، والله لو علمت أني اقتل ، ثم أحيى ، ثم اقتل ، ثم أحرق ، ثم اذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ، ثم هي الكرامة العظمى التي لا انقضاء لها أبدا . وقام زهير بن ألقين فقال : والله لوددت انني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل هكذا ألف مرة ، وان الله جل وعز يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك . وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد ، فقالوا : والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا ، فإذا نحن قتلنا كنا وفينا وقضينا ما علينا ( 1 ) . هكذا كان الحسين ( عليه السلام ) ينفخ من روحه الأخلاقية في نفوس أصحابه وأهل بيته ، ليعلم البشرية أخلاق الانفلات من الذاتية والأنانية . وقابله أصحابه وأهل بيته بكلمات الوفاء والحب والتقدير لهذه الروح الكبيرة