فخرج إليه عمر بن سعد في عشرين فارسا والحسين ( عليه السلام ) في مثل ذلك ، ولما التقيا أمر الحسين ( عليه السلام ) أصحابه فتنحوا عنه ، وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر ، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحوا عنه وبقي معه ابنه حفص وغلام له يقال له : لاحق . فقال الحسين ( عليه السلام ) لابن سعد : " ويحك أما تتقي الله الذي إليه معادك ؟ أتقاتلني وأنا ابن من علمت ؟ يا هذا ذر هؤلاء القوم وكن معي ، فإنه أقرب لك من الله " . فقال له عمر : أخاف أن تهدم داري . فقال الحسين ( عليه السلام ) : " أنا أبنيها لك " . فقال عمر : أخاف أن تؤخذ ضيعتي . فقال ( عليه السلام ) : " أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز " . فقال : لي عيال أخاف عليهم . فقال : أنا أضمن سلامتهم . ثم سكت - عمر بن سعد - فلم يجبه عن ذلك ، فانصرف عنه الحسين ( عليه السلام ) وهو يقول : " مالك ، ذبحك الله على فراشك سريعا عاجلا ، ولا غفر لك يوم حشرك ونشرك ، فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيرا " . فقال له عمر - مستهزئا - : يا أبا عبد الله في الشعير عوض عن البر ، ثم رجع عمر إلى معسكره . ( 1 ) هكذا بقي الحوار مبتورا بين صمود الحق وعناد الباطل ، بين منطق الهدى واستهزاء الضلال ، وتكفينا نحن اليوم عاقبة طرفي الحوار الذي بادر إليه الحسين ( عليه السلام ) انطلاقا من حبه لإنقاذ الإنسان ، ولكن الإنسان كان ظلوما جهولا ، وكان عمر بن سعد الصلف البذئ من أبرز مصاديق الظلم والجهل . جاء في الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) " ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بشئ من عمله ، تقوى تحجزه عن معاصي الله ، وحلم يكف به السفيه ، وخلق يعيش به في الناس " ( 2 ) .
1 - مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 1 : 245 ، الفتوح 5 : 102 ، البداية والنهاية 8 : 189 ، بحار الأنوار 44 : 388 ، العوالم 17 : 239 ، أعيان الشيعة 1 : 599 مع اختلاف في بعض الألفاظ . 2 - الفضيلة الإسلامية : ص 52 .