لأصحابه : أنا داخل فإن دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا عليَّ بأجمعكم ، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج ! فدخل وعنده مروان فسلم عليه بالأمرة وجلس فأقرأه الوليد الكتاب ونعى إليه ودعاه إلى البيعة فقال الحسين . . . مثلي لا يعطي بيعته سراً ولا تجتزئ مني سراً دون أن تظهرها على رؤوس الناس علانيةً قال : أجل . قال فإذا خرجت الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمراً واحداً ! فقال له الوليد وكان يحب العافية : فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس . فقال له مروان : إن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى وبينه ، إحبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه ! فوثب الحسين عند ذلك فقال : يا ابن الزرقاء أنت تقتلني أو هو ؟ كذبت والله ، ثم خرج ! فقال مروان والله لا يمكِّنك من مثلها من نفسه ! فقال الوليد : والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت وأني قتلت حسيناً . . وتشاغلوا عن الحسين ذلك اليوم فخرج من الليل ببنيه وأخوته وبني أخيه وأهل بيته إلى مكة لليلتين من رجب ، فدخلها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان ) . ( المنتظم لابن الجوزي : 5 / 323 ) . في ذلك الموكب النبوي كان الإمام زين العابدين « عليه السلام » مع أبيه الحبيب « عليه السلام » ، وأمضى معه شهوراً في مكة ، ثم في طريقه إلى كربلاء ، وكان فيها مريضاً ولكنه حضر أيام الله العظيمة ، واختزن مشاهدها وآياتها ، وختامها مشهد أبيه وسبعة عشر نجماً من آل الرسول « صلى الله عليه وآله » صرعى على وجه الثرى ! وفي كربلاء أعطاه أعداؤه لقب كبير أسرى البيت النبوي وراعي سباياهم من نساء وأطفال ! وبدأ رحلته إلى الكوفة ، ثم إلى الشام ، مواصلاً رسالة أبيه الشهيد « صلى الله عليه وآله » ، مقيماً مأتمه في قصور أعدائه ، يشعُّ بنوره في ظلماتهم !