ثمّ قال [1] عليّ ( عليه السلام ) : يا معاوية هلمّ إلى مبارزتي لاَ تفنى العرب بيننا [2] ، فقال معاوية : لاَ حاجة لي في مبارزتك فقد قتلت أربعة من أبطال العرب فحسبك [3] . فصاح فارس من أصحاب معاوية يقال له عروة [4] فقال : يا ابن أبي طالب إن كان معاوية قد [5] كره مبارزتك فأنا [6] ، وجرّد سيفه وخرج للإمام فتجاولا ثمّ إنّه سبق الإمام بضربة تلقّاها عليّ ( عليه السلام ) في سيفه ، ثمّ إنّ علياً ( عليه السلام ) ضربه ضربةً على رأسه ألقاه إلى الأرض قتيلا [7] ، فعظم على أهل الشام قتل عروة لأنه كان من أعظم شجعانهم ومشاهير فرسانهم ثمّ حجز الليل بينهم . ومنها : ما اتّفق أيضاً في بعض أيّامها وقد تقابل الجيشان إذ خرج عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) متنكّراً فدعا بالمبارزة [8] فقال معاوية لعمرو بن العاص : عزمت عليك إلاّ
[1] في ( أ ) : صاح . [2] انظر كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين : 157 ، وقعة صفين : 316 ولكن بلفظ " ولا يُقْتَلَنَّ الناس فيما بيننا " والفتوح لابن أعثم : 2 / 112 . [3] انظر وقعة صفين : 275 و 316 و 388 ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 126 تحت عنوان " دعا عليّ ( عليه السلام ) معاوية إلى البراز " وخلاصة ذلك : ابرز لي وأعف الفريقين من القتال ، فأيُّنا قَتَل صاحبه كان الأمر له ، قال عمرو : لقد أنصفك الرجل ، فقال معاوية : إنّي لأكره أن أُبارز . . . لعلّك طمعت فيها يا عمرو . . . وانظر الفتوح لابن أعثم : 2 / 112 . [4] هو عروة بن داود الدمشقي كما جاء في الفتوح : 2 / 113 ، ووقعة صفين : 458 ، أمّا ابن أبي الحديد في شرح النهج : 2 / 300 قال : أبو داود عروة بن داود العامري . [5] في ( ب ) : فقد . [6] في ( أ ) : له . [7] انظر ابن أعثم في الفتوح : 2 / 113 ، ووقعة صفين : 458 ولكن بلفظ " فضربه فقطعهُ قطعتين ، سقطت إحداهما يمنةً ، والأُخرى يَسرة ، فارتجّ العسكران لهول الضربة . . . وقد رثاه ابن عمٍّ له ، انظر الشعر : 458 - 459 . [8] في ( ج ) : وطلب البراز . ووردت هذه القصة بألفاظ مختلفة وفي مصادر تاريخية متعدّدة ولكن كلّها تؤدّي نفس المعنى ، فقد ذكرها ابن مزاحم في وقعة صفين : 406 و 408 و 423 و 424 و 432 ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 127 ، كشف اليقين : 157 - 158 ، طبقات ابن سعد : 7 / 188 ، أُسد الغابة : 4 / 420 ، الكامل في التاريخ : 2 / 232 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 20 ، و : 8 / 53 . ونقل لنا نصر بن مزاحم في وقعة صفين المحاورة والأشعار والفرار وكشف العورة من قِبل عمرو بن العاص ، قال : وحمل أهلُ العراق وتلقّاهم أهل الشام فاجتلَدوا ، وحمل عمرو بن العاص مَعلِماً وهو يقول : شدّوا عليَّ شكتي لا تنكشف * بعد طليح والزبير فأْتَلِفْ يومٌ لهمدانَ ويومٌ للصّدِف * وفي تميم نخوةٌ لا تنحرفْ أضربُها بالسيف حتّى تنصرِفْ * إذا مشيتُ مِشْيةَ العَوْدِ الصلِفْ ومثلها لحمير أو تنحرف * والربَعيُّون لهم يوم عَصِفْ فاعترضه عليٌّ ( عليه السلام ) يقول : قد علمت ذات القُرون الميل * والخصْرِ والأنامِلِ الطفولِ إنِّي بنصل السيف خنْشَليلُ * أحمى وأرْمى أوّل الرعيلِ بصارم ليس بذي فُلولِ ثمّ طعنه فصرعه واتَّقاهُ عمرو بِرجْلهِ ، فبدت عورتهُ ، فصرف عليٌّ وجهه عنه وارتُثّ ، فقال القوم : أفلتَ الرجلُ يا أمير المؤمنين قال : وهل تدرون مَن هو ؟ قالوا : لاَ ، قال : فإنّه عمرو بن العاص تَلَقّاني بعورته فصرفْتُ وجهي عنه . ورجع عمروٌ إلى معاوية فقال له : ما صنعتَ يا عمرو ؟ قال : لقيني عليٌّ فَصَرعني . قال : احمد الله وعَورَتَك ، أما والله أن لو عرفتَه ما أقحمتَ عليه ، وقال معاوية في ذلك شعراً : ألا لله من هَفَوات عمرو * يعاتبُني على تركي برازي فقد لاقى أبا حَسَن عليّاً * فآب الوائليُّ مآبَ خازِي فلو لم يُبْدِ عورتَه للاقى * به ليثاً يذلِّلُ كلَّ نازِي فغضب عمرو وقال : ما أشدّ تغبيطك علياً في أمري هذا ؟ هل هو إلاّ رجلٌ لقيه ابنُ عمِّه فصرعه ، أفترَى السماءَ قاطرةً لذلك دماً ؟ قال : ولكنَّها معقبة لك خِزْياً . ثمّ قال في : 432 : إنّ معاويةَ أظهر لعَمْرو شماتةً وجعل يقرِّعه ويوبّخه . . . وإنّك لجبانٌ فغضب عمروٌ ثمّ قال : والله لو كان علياً ما قحمتُ عليه يا معاوية ، فهلاّ برزتَ إلى عليٍّ إذْ دعاك إن كنت شجاعاً كما تزعمُ ، وقال عمرو في ذلك شعراً : فهل لكَ في أبي حسن عليٍّ * لعلّ اللهَ يُمكِنُ من قَفَاكا دعاك إلى النِزال فلم تُجِبْهُ * ولو نازلتَهُ تَرِبَتْ يَدَاكا وانظر المحاورة والشعر في صفحة أخرى من الكتاب وهي : 472 - 473 . وقال جورج جرداق في كتابه الإمام عليّ ( عليه السلام ) صوت العدالة الإنسانية : 1 / 82 : وقد أصبح ذو الفقار فوق هامته ، ولو قضى عليّ ( عليه السلام ) على عمرو آنذاك لكان قضى على المكر والدهاء وجيش معاوية . وانظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 3 / 330 ، وكشف اليقين لابن المطهّر الحلّي : 157 - 158 وابن أعثم في الفتوح : 2 / 44 وما بعدها .