وأراه أنه يريد مسايرته ومؤانسته فقتله غيلةً بعد أن خدعه بذلك ، وأخذ سيفه وخاتمه ومضى يؤم عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) فلمّا وصله سلّم عليه وهنّأه بالفتح وأخبره بقتله للزبير بن العوّام ، فقال له عليّ أبشر بالنار - يعني قوله ، بشّر قاتل ابن صفية بالنار - . قال ابن جرموز : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، إنّا إن قاتلناكم فنحن في النار وان قتلنا لكم فنحن في النار ؟ ! فقال عليّ بن أبي طالب : ويلك ذلك شيء قد سبق لابن صفية . أمّا طلحة [1] فأصابه سهم غريب [2][3]
[1] هو أبو محمّد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سَعد بن تيم بن مُرّة بن كعب بن لُؤي بن غالب القرشي التيمي ، وأُمّه صعبة بنت الحضرمي امرأة من أهل اليمن ، أُخت العلاء ابن الحضرمي ، شهد أُحد فشلّت إصبعه بها وقد آخى النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) بينه وبين الزبير ، وكان من أشدّ المؤلِّبين على عثمان . فلمّا قتل عثمان سبق إلى بيعة عليّ ( عليه السلام ) ثمّ خرج إلى البصرة مطالباً بدم عثمان . ورآه مروان بن الحكم يوم الجمل فقال : لاَ أطلب بثأري بعد اليوم . فرماه بسهم قُتل منه في سنة 36 ه . ( انظر ترجمته في طبقات ابن سعد : 3 قسم 1 / 156 ، الإصابة : 3 / 220 ، مروج الذهب : 2 / 11 ، تهذيب ابن عساكر : 7 / 84 ، تاريخ ابن كثير : 7 / 247 ، أنساب الأشراف : 5 / 44 - 90 ، الرياض النضرة : 2 / 258 ، العقد الفريد : 3 / 92 - 109 . [2] في ( ب ، ج ) والطبري : غرب . [3] المصادر التاريخية الّتي أشرنا إليها سابقاً بعضها تذكر أنّ السهم الّذي أصاب طلحة ليس غريباً بل هو سهم سموم رماه نحوه مروان بن الحكم كما جاء في الفتوح لابن أعثم : 1 / 484 قال : وجعل طلحة ينادي بأعلى صوته : عباد الله الصبر الصبر ، إنّ بعد الصبر النصر والأجر ، قال : فنظر إليه مروان بن الحكم فقال لغلام له : ويلك يا غلام ، والله إنّي لأعلم أنّه ما حرّض على قتل عثمان يوم الدار أحد كتحريض طلحة ولا قتله سواه ، ولكن استرني فأنت حرّ ، قال : فستره الغلام ، ورمى مروان بسهم مسموم لطلحة بن عبيد الله فأصابه به ، فسقط طلحة لما به وقد غمى عليه ، ثمّ أفاق فنظر إلى الدم يسيل منه فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أظنّ والله أننا عنينا بهذه الآية من كتاب الله عزّوجلّ إذ يقول ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الأنفال : 25 . وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : 1 / 97 : إنّ علياً خرج إليهم بعد سبعة أيام فهزمهم ، فلمّا رأى طلحة ذلك رفع يديه إلى السماء وقال : اللّهمّ إن كنّا قد داهنّا في أمر عثمان وظلمناه فخذ له اليوم منّا حتّى ترضى ، قال : فما مضى كلامه حتّى ضربه مروان ضربة أتى منها على نفسه . ولا ندري بماذا نفسّر قول الطبري في تاريخه : 3 / 519 فقذ ذكر وجاء طلحة سهم غَرب يخل ركبته بصفحة الفرس فلمّا امتلأ مَوْزجه دماً وثقل قال لغلامه : اردفني وامسكني . . . وقال في ص 534 : قال طلحة يومئذ : اللّهمّ اعط عثمان منّي حتّى يرضى فجاء سهم غَرب وهو واقف فخل ركبته بالسرج وثبت حتّى امتلأ مَوْزجه دماً . . . ولكن نترك للقارئ الكريم هو يفسّر ذلك ونحن علينا نقل المصادر الّتي ذكرت أنه سهم مسموم أطلقه عليه مروان بن الحكم . فهذا ابن عبد البرّ واليعقوبي وابن عساكر وابن عبد ربه وابن الأثير وابن حجر في الإصابة : 2 / 222 يقولون : فلمّا اشتبكت الحرب قال مروان : لاَ أطلب بثاري بعد اليوم ثمّ رماه طلحة بسهم فأصاب ركبته فما رقي الدم حتّى مات ، وقال : لاَ يختلف العلماء الثقات : في انّ مروان قتل طلحة يومئذ وكان في حزبه . وفي طبقات ابن سعد : قال طلحة : والله ما يلفت إلينا سهامهم . وروى أيضاً : كان مروان مع طلحة في الخيل فرأى فرجةً في درع طلحة فقتله . وروى أيضاً : فلمّا رأى انكشاف الناس نظر إلى طلحة واقفاً فقال : والله إنّ دم عثمان عند هذا ، وهو كان اشدّ الناس عليه وما أطلب أثراً بعد عين ، ففوّق له سهماً فقتله . وفي المستدرك : 3 / 371 ، وابن عساكر في تهذيبه : 7 / 84 ، وأُسد الغابة : 3 / 60 : فالتفت إلى أبان بن عثمان وهو معه ، فقال : لقد كفيتك أحد قتلة أبيك . . . وقال مروان لغلامه أُريد أن أرميه وأُريح المسلمين من شرّه ، فلو تقدّمت أمامي وحجبتني كي لاَ أُرى فيُعْلَمُ أنّي رميته . . . فأخرج مروان سهماً مسموماً من كنانته فرماه فشكّ قدمه إلى ركابه . . . وروى المدائني ذلك وأضاف [ لمّا أدبر طلحة وهو جريح يرتاد مكاناً ينزله جعل يقول لمن يمرّ به من أصحاب عليّ : أنا طلحة من يجيرني - يكررها - . . . وقالوا : ثمّ مات ودفنوه بالسبخة . وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد : 4 / 321 وابن عبد البرّ في الاستيعاب : 207 والذهبي في النبلاء : 1 / 82 : إنّه أوّل قتيل . وانظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 431 .