responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصول المهمة في معرفة الأئمة نویسنده : علي بن محمد أحمد المالكي ( ابن الصباغ )    جلد : 1  صفحه : 263


وتارةً بمعنى الناصر ، قال الله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ ) [1] معناه : أنّ الله ناصر الّذين آمنوا وأنّ الكافرين لاَ ناصر لهم .
وتارةً بمعنى الوارث ، قال تعالى : ( وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَلِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَْقْرَبُونَ ) [2] معناه : وارثاً .
وتارةً بمعنى العصبة ، قال الله تعالى : ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَآئِى ) [3] معناه :
عصبتي .
وتارةً بمعنى الصديق ، قال الله تعالى : ( يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا ) [4] معناه :
حميم عن حميم ، وصديق عن صديق .
وتارةً بمعنى السيّد والمعتق ، وهو ظاهر .
وإن [5] كانت واردةً لهذه المعاني فيكون معنى الحديث : من كنت ناصره أو حميمه أو صديقه فإنّ عليّاً يكون كذلك [6] .



[1] محمّد : 11 .
[2] النساء : 33 .
[3] مريم : 5 .
[4] الدخان : 41 .
[5] في ( د ) : وإذا .
[6] لمّا كان للفظ الوليّ معاني متعدّدة كما هو المقرّر عند اللغويين والعلماء المتبحّرين في اللغة - لذا أشكل المصنّف ( رحمه الله ) وهو كالإشكات السابقة ، ونحن لسنا بصدد مناقشته وردّه بل نعطيه الحقّ لأسباب كثيرة منها أنه ربما قال ذلك تقيةً لِما كان سائداً في عصره من اضطراب الفتن ، وقتل كلّ من يتفوّه بكلمة حقّ ، أو بإظهار منقبة من مناقب آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وقد كان رحمه الله تعالى ملتفتاً إلى ذلك في كثير من عباراته الّتي جاءت في مقدّمة كتابه ، وبما يضمره له علماء السوء من الوقيعة به واتهامه بالتشيّع ، وبالتالي يكون حاله كحال الإمام النسائي أو الامام الشافعي . وثانياً : أنه ختم أعماله بهذا الإنجاز العظيم وهو إظهار فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وما أحسن المرء أن يختم عمله بحبّ وولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) بناءً على قوله ( صلى الله عليه وآله ) : طوبى لمن أحبّهم وتبعهم . . . و طوبى لمن تمسّك بهداهم . . . كما جاء في ينابيع المودّة : 3 / 283 ط أُسوة . وأمّا بخصوص الآية الّتي احتجّ بها المصنّف ( رحمه الله ) ولا أعتقد أنه جاء بها ليستدلّ بها على المعنى الثاني لأنه قال : " قال العلماء " فهو ينقل كلام العلماء في معنى لفظ المولى . والآية نزلت في حقّ المنافقين كما صرّح هو بذلك " مأواكم النار هي مولاكم " أي أنّ الخطاب للمنافقين ، فالنار هي أولى بكم ، وهذا هو أحد المعاني في الآية ، وقد ذهب إليه ابن عباس في تنوير المقباس من تفسير ابن عباس : 457 انتشارات استقلال طهران ، وذكر الفخر الرازي في تفسيره : 8 / 93 نقله عن الكلبي وعن الفرّاء وأبي عبيدة البصري ، وكذلك الشيخ المفيد ( رحمه الله ) في رسالته الموسومة ب‌ " معنى المولى " ، والشريف المرتضى في " غريب القرآن " مستشهداً ببيت لبيد : فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه * مولى المخافة خلفها وأمامها واحتجّ به الشريف الجرجاني في شرح المواقف : 3 / 271 بنقل ذلك ردّاً على الماتن ، وذكره الأخفش كما في نهاية العقول للرازي ، وأبو زيد البصري ، حكاه عنه صاحب الجواهر العبقرية ، والبخاري في صحيحة : 7 / 240 ، وابن قتيبة في القرطين : 2 / 164 ، والشيباني النحوي ، والطبري في تفسيره 9 : 117 ، والأنباري اللغوي النحوي في تفسيره مشكل القرآن ، ونقله عنه الشريف الرضي ، وابن البطريق في العمدة : 55 ، وأبو الحسن الرمّاني عليّ بن عيسى : 23 . وذكره عنه الفخر الرازي في نهاية العقول ، والواحدي قال في تفسيره : هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب ، أي انها هي الّتي تلي عليكم لأنها قد ملكت أمركم فهي أولى بكم من كلّ شئ . وذكر ذلك ابن الجوزي في تفسير زاد المسير ، وفي مطالب السؤول أيضاً : 16 ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة : 19 ، والرازي في مختار الصحاح ، وفي غريب القرآن ، والتفتازاني في شرح المقاصد : 288 وتفسير الجلالين ، وتوضيح الدلايل على ترجيح الفضايل لجلال الدين أحمد الخجندي ، والقوشجي في شرح التجريد ، والخفاجي في حاشية تفسير البيضاوي ، والصنعاني في الروضة الندية نقلا عن الفقيه حميد الحلّي ، والسيّد عثمان المكي الحنفي في تاج التفاسير : 2 / 196 . وذكره أيضاً : الشيخ حسن العدوي المالكي في النور الساري هامش صحيح البخاري : 7 / 240 ، الشبلنجي في نور الأبصار : 78 ، والصواعق المحرقة لابن حجر : 24 ، والمجلسي في بحار الأنوار : 37 / 239 ، وابن البطريق في الخصائص : 58 و 112 - 119 ، والمراجعات لشرف الدين : 280 ، والمعارف لأبي الصلاح الحلبي : 151 - 153 ، والمعيار والموازنة للإسكافي : 210 - 212 ، الرسائل العشر : 133 - 138 ، كشف الغمّة : 1 / 62 ، إعلام الورى : 169 اللوامع الإلهية : 278 ، الصراط المستقيم : 1 / 300 ، حقّ اليقين : 1 / 255 ، فضائل الخمسة : 1 / 443 ، معالم المدرستين : 1 / 145 . أمّا الّذين قالوا بأنّ الآية تشير إلى المعنى الثاني - اي صاحبتكم وأولى وأحقّ أن تكون مسكناً لكم - فقد قال بذلك الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان مستشهداً ببيت الشاعر لبيد السابق الذكر ، وذكر هذا كلّ من يوسف بن سليمان صاحب تحصيل عين الذهب ، كما جاء في تعليق كتاب سيبويه : 1 / 202 ، والفرّاء حسين بن مسعود البغوي في معالم التنزيل : 4 / 297 تحقيق خالد عبد الرحمن العك ، ومروان سوار طبعة دار المعرفة بيروت ، والزمخشري في الكشاف 2 : 435 ، ومحبّ الدين العكبري البغدادي في تفسيره : 135 . وكذلك البيضاوي في تفسيره : 2 / 497 ، والنسفي في تفسيره هامش تفسير الخازن : 4 / 229 ، وعلاء الدين محمّد الخازن البغدادي في تفسير الخازن : 4 / 229 ، وتفسير المصون في علم المكنون ليوسف الحلبي ، والنيسابوري في تفسيره هامش تفسير الرازي : 8 / 72 ، والشربيني الشافعي في تفسيره : 4 / 200 ، ومحمّد بن محمّد الحنفي القسطنطيني في تفسيره هامش تفسير الرازي : 8 / 72 . وكذلك الشيخ سليمان حمل في تعليقه على تفسير الجلالين الّذي أسماه بالفتوحات الإلهية ، وحاشية تفسير البيضاوي لجار الله ، ومحبّ الدين أفندي في كتابه تنزيل الآيات على الشواهد في الأبيات . ولسنا بصدد بيان ومناقشة هؤلاء ، فمن أراد الاطّلاع فليراجع كتاب الغدير : 1 / 349 . أقوال بعض العلماء بخصوص آية التبليغ وحديث الغدير وولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : قال العلاّمة المجلسي في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) : ممّا يعيّن أنّ المراد بالمولى الأولى والخليفة والإمام ، لأنّ التهديد بأنه إن لم يبلّغه فكأنه لم يبلّغ شيئاً من رسالاته ، وضمان العصمة له يجب أن يكون في إبلاغ حكم يكون بإبلاغه إصلاح الدين والدنيا لكافّة الأنام ، وبه يتبيّن الناس الحلال والحرام إلى يوم القيامة ، ويكون قبوله صعباً على الأقوام ، وليس ما ذكروه من الاحتمالات في لفظ المولى ممّا يظنُّ فيه أمثال ذلك إلاّ خلافته وإمامته ( عليه السلام ) ، إذ بها يبقى ما بلّغه ( صلى الله عليه وآله ) من أحكام الدين ، وبها تنتظم أُمور المسلمين ، ولضغائن الناس لأمير المؤمنين كان مظنّة إثارة الفتن من المنافقين ، فلذا ضمن الله له العصمة من شرّهم . ( بحار الأنوار 37 / 249 ) . وقال ابن البطريق في خصائصه : اعلم أنّ الله سبحانه وتعالى قد أبان في هذه الآية عن فضل مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إبانة تؤذن بأنّ ولايته أفضل من كلّ فرض افترضه الله تعالى وتؤذن أنّه أفضل من رتب المتقدّمين والمتأخّرين من الأنبياء والصدّيقين بعد النبي صلى الله عليهم أجمعين . فأمّا ما يدلّ على أنّ ولايته ( عليه السلام ) أعظم من ساير الفروض وآكد من جميع الواجبات فهو قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) فولايته قامت مقام النبوّة ، لأنّ بصحّة تبليغها عن الله ينفع شهادة أن لاَ إله إلاّ الله ، وعدم تبليغها يبطل تبليغ الرسالة ، فإذا حَصلت صحّ تبليغ الرسالة ، ومتى عدم التبليغ بهذا الأمر لاَ يجدي تبليغ الرسالة ، وما كان شرطاً في صحّة وجود أمر من الأُمور ما يصحّ وجودُه إلاّ بوجوده ووجب كوجوبه . ( الخصائص : 58 ) . وقال السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي في المراجعات : وأنت - نصر الله بك الحقّ - تعلم أنّ الّذي يناسب مقامه في ذلك الهجير ويليق بأفعاله وأقواله يوم الغدير إنما هو تبليغ عهده وتعيين القائم مقامه من بعده ، والقرائن اللفظية والأدلّة العقلية توجب القطع الثابت الجازم بأنه ( صلى الله عليه وآله ) ما أراد يومئذ إلاّ تعيين عليّ ولياً لعهده وقائماً مقامه من بعده ، فالحديث مع ما قد حفّ به من القرائن نصّ جلي في خلافة عليّ ، لا يقبل التأويل وليس إلى صرفه عن هذا المعنى من سبيل ، وهذا واضح ( لِمَن كَانَ لَهُو قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) . ثمّ قال : وأمّا ذكر أهل بيته في حديث الغدير فإنّه من مؤيدات المعنى الّذي قلناه ، حيث قرنهم بمحكم الكتاب ، وجعلهم قدوة لأولي الألباب ، فقال : إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . وإنما فعل ذلك لتعلم الأُمّة أن لاَ مرجع بعد نبيها إلاّ إليهما ، ولا معول لها من بعده إلاّ عليهما ، وحسبك في وجوب اتّباع الأئمة من العترة الطاهرة اقترانهم بكتاب الله عزّوجلّ الّذي لاَ يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فكما لاَ يجوز الرجوع إلى كتاب يخالف في حكمه كتاب الله سبحانه وتعالى لاَ يجوز الرجوع إلى إمام يخالف في حكمه أئمة العترة ، وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : " إنهما لن ينقضيا - أو لن يفترقا - حتّى يردا عليَّ الحوض " دليل على أنّ الأرض لن تخلو بعده من إمام منهم ، هو عِدل الكتاب ، ومن تدبّر الحديث وجده يرمي إلى حصر الخلافة في أئمة العترة الطاهرة ، ويؤيد ذلك ما أخرجه الامام احمد في مسنده عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض " . انتهى . وهذا نصّ في خلافة أئمة العترة ( عليهم السلام ) . وأنت تعلم أنّ النصّ على وجوب اتّباع العترة نصّ على وجوب اتّباع عليّ إذ هو سيد العترة لا يدافع ، وإمامها لاَ ينازع ، فحديث الغدير وأمثاله يشتمل على النصّ على عليّ تارة ، من حيث إنه إمام العترة ، المنزلة من الله ورسوله منزلة الكتاب ، وأُخرى من حيث شخصه العظيم ، وانه وليّ كلّ من كان رسول الله وليه . ( المراجعات : 278 - 280 المراجعة 58 ) . وقال الشريف المرتضى في الشافي كما نقل عنه العلاّمة المجلسي في البحار في بيان صحّة خبر الغدير : أمّا الدلالة على صحّة الخبر فلا يطالب بها إلاّ متعنّت ، لظهوره واشتهاره وحصول العلم لكلّ من سمع الأخبار به ، وما المطالب بتصحيح خبر الغدير والدلالة عليه إلاّ كالمطالب بتصحيح غزوات النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) الظاهرة المشهورة وأحواله المعروفة وحجّة الوداع نفسها ، لأنّ ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة . . . وقد استبدّ هذا الخبر بما لا يشركه فيه سائر الأخبار لأنّ الأخبار على ضربين : أحدهما لاَ يعتبر في نقله الأسانيد المتّصلة كالخبر عن وقعة بدر وخيبر والجمل وصفّين ، والضرب الآخر يعتبر فيه اتّصال الأسانيد كأخبار الشريعة ، وقد اجتمع فيه الطريقان . ثمّ قال بعد ايراد خبر المناشدة : إنّ الخبر لو لم يكن في الوضوح كالشمس لما جاز أن يدّعيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سيّما مثله في مثل هذا المقام . ( بحار الأنوار : 37 / 236 - 237 ) . وأمّا في دلالة الخبر فنقول : إنّ كلمات علماء الفريقين في دلالة الخبر وحصره بمعنى الأولوية والإمامة والخلافة كثيرة جدّاً ، نذكر بعضاً منها ملخّصاً : فمنهم ابن البطريق في العمدة : 112 - 119 فإنّه عدّ عشرة أوجه لمعنى المولى وأنّ أُولى معناها هي " الأولى " وقال : وهو الأصل والعماد الّتي ترجع إليه المعاني في باقي الأقسام . ثمّ اعلم أنّ أهل اللغة ومصنّفي العربية قد نصّوا على أنّ لفظة " مولى " تفيد الأولى . ثمّ بعد أن ذكر شواهد تدلّ على هذا المدّعى ، وتؤوّل سائر المعاني إلى هذا المعنى قال : وإذا كان الأمر على ما ذكرناه ثبت أنّ مراد النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) بقوله : " من كنت مولاه فعليٌّ مولاه " معنى الأولى ، الّذي قدّم ذكره وقرّره ، ولم يجز أن يصرف إلى غيره من سائر أقسام لفظة " مولى " وما يحتمله ، وذلك يوجب أنّ علياً ( عليه السلام ) أولى بالناس من أنفسهم بما ثبت أنه مولاهم كما أثبت النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) لنفسه أنه مولاهم وأثبت له القديم تعالى أنه أولى بهم من أنفسهم ، فثبت أنه أولى بهم من أنفسهم ، فثبت أنه أولى بلفظ الكتاب العزيز ، وثبت أنه مولى بلفظ نفسه ، فلو لم يكن المعنى واحداً ، لما تجاوز ما حدّ له في لفظ الكتاب العزيز إلى لفظ غيره ، فثبت لعليّ ( عليه السلام ) ما ثبت له في هذا المعنى من غير عدول إلى معنى سواه . ( العمدة : 112 و 116 ) . وأورد الشريف المرتضى هذا البيان في الشافي كما نقل عنه البحار أيضاً وبلفظ آخر : أنّ ما تحتمله لفظة مولى ينقسم إلى أقسام ، منها ما لم يكن ( صلى الله عليه وآله ) عليه ، ومنها ما كان عليه ، ومعلومٌ لكلّ أحد أنّه ( صلى الله عليه وآله ) لم يرده ، ومنها ما كان عليه ومعلوم بالدليل أنّه لم يرده ، ومنها ما كان حاصلا له ويجب أن يريده لبطلان سائر الأقسام واستحالة خلوّ كلامه من معنى وفائدة . فالقسم الأوّل هو المعتق والحليف ، لأنّ الحليف هو الّذي ينضمُّ إلى قبيلة أو عشيرة فيحالفها نصرته والدفاع عنه ، فيكون منتسباً إليها متعزّزاً بها ، ولم يكن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) حليفاً لأحد على هذا الوجه . والقسم الثاني ينقسم إلى قسمين ، أحدهما معلوم انّه لم يرده لبطلانه في نفسه كالمعتِق والمالك ، والجار ، والصهر ، والخلف ، والإمام ، إذا عدّا من أقسام المولى ، والآخر أنّه لم يرده من حيث لم يكن فيه فائدة وكان ظاهراً شائعاً وهو ابن العمّ . والقسم الثالث الّذي يعلم بالدليل أنّه لم يرده هو ولاية الدين والنصرة فيه والمحبّة أو ولاء العتق ، والدليل على أنّه ( صلى الله عليه وآله ) لم يرد ذلك أنّ كلّ أحد يعلم من دينه وجوب تولّي المؤمنين ونصرتهم ، وقد نطق الكتاب به ، وليس يحسن أن يجمعهم على الصورة الّتي حكيت في تلك الحال ، ويعلمهم ما هم مضطرّون إليه من دينه ، وكذلك هم يعلمون أنّ ولاء العتق لبني العمّ قبل الشريعة وبعدها ، وقول ابن الخطّاب في الحال - على ما تظاهرت به الرواية - لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) - " أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن " يبطل أن يكون المراد ولاء العتق ، وبمثل ما ذكرناه في إبطال أن يكون المراد بالخبر ولاء العتق أو إيجاب النصرة في الدين استبعد أن يكون أراد به قسم ابن العمّ ، لاشتراك خلوّ الكلام عن الفائدة بينهما . فلم يبق إلاّ القسم الرابع الّذي كان حاصلا له ويجب أن يريده ، وهو الأولى بتدبير الأمر وأمرهم ، ونهيهم . ( بحار الأنوار : 37 / 240 - 241 ) . أورد الشيخ الأميني في الغدير ستّة وعشرين معنًى للفظ " مولى " وقال في خاتمة كلامه : إذاً فليس للمولى إلاّ معنى واحد وهو الأولى بالشيء ، وتختلف هذه الأولوية بحسب الاستعمال في كلٍّ من موارده ، فالاشتراك معنويٌّ وهو أولى من الاشتراك اللفظيِّ المستدعي لأوضاع كثيرة غير معلومة بنصٍّ ثابت والمنفيَّة بالأصل المحكم ، وقد سبقنا إلى بعض هذه النظرية شمس الدين ابن البطريق في العمدة . ( الغدير : 1 / 366 - 370 ) . وقال العلاّمة المجلسي بعد إثبات حصر معنى المولى بالأولى : فإذا ثبت أنّ المراد بالمولى هاهنا الأولى الّذي تقدّم ذكره والأولى في الكلام المتقدّم غير مقيّد بشيء من الأشياء وحال من الأحوال ، فلو لم يكن المراد العموم لزم الإلغاز في الكلام المتقدّم ، ومن قواعدهم المقرّرة أنّ حذف المتعلّق من غير قرينة دالّة على خصوص أمر من الأُمور يدلّ على العموم ، لاَ سيّما وقد انضمّ إليه قوله ( صلى الله عليه وآله ) : " من أنفسكم " فإنّ للمرء أن يتصرّف في نفسه ما يشاء ويتولّى من أمره ما يشاء ، فإذا حكم بأنّه أولى بهم من أنفسهم يدلّ على أنّ له أن يأمرهم بما يشاء ويدبّر فيهم ما يشاء في أمر الدين والدنيا ، وأنّه لاَ اختيار لهم معه ، وهل هذا إلاّ معنى الإمامة والرئاسة العامّة ؟ ( بحار الأنوار : 37 / 244 ) . وقال الشيخ الطوسي في رسالة المفصح المطبوعة : وإذا ثبت أنّ معنى قوله ( صلى الله عليه وآله ) " من كنت مولاه " أي من كنت أولى به وكان أولى بنا ( عليه السلام ) من حيث كان مفترض الطاعة علينا وجب علينا امتثال أمره ونهيه ، ومتى جعل هذه المنزلة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) دلّ على أنه إمام لأنّ فرض الطاعة بلا خلاف لاَ يجب إلاّ لنبي أو إمام ، وإذا علمنا أنه لم يكن نبياً ثبت أنه إمام . ( الرسائل العشر : 136 ) . وقال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف : 151 و 153 : وأمّا خبر الغدير فدالّ على إمامته ( عليه السلام ) من وجهين : أحدهما أنّه صلوات الله عليه قرّر المخاطبين بما له عليهم من فرض الطاعة بقوله : " ألست أولى بكم منكم بأنفسكم " فلمّا أقرّوا قال عاطفاً من غير فصل بحرف التعقيب : " فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه " وذلك يقتضي كون عليّ ( عليه السلام ) مشاركاً له صلوات الله عليه وآله في كونه أولى بالخلق من أنفسهم ، وذلك مقتض لفرض طاعته عليهم ، وثبوتها على هذا الوجه يفيد إمامته بغير شبهة . . . وأمّا إفادة الأولى للإمامة فظاهر ، لأنّ حقيقة الأولى : الأملك بالتصرّف ، الأحقّ بالتدبير ، يقولون : فلان أولى بالدم وبالمرأة وباليتيم وبالأمر ، بمعنى الأحقّ الأملك ; فإذا حصل هذا المعنى بين شخص وجماعة اقتضى كونه مفترض الطاعة عليهم من حيث كان أولى بهم من أنفسهم في تقديم مراداته وإن كرهوا ، واجتناب مكروهاته وإن أرادوا ، وعلى هذا خرج قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) ، وعليه قرّرهم ( صلى الله عليه وآله ) ، وإذا وجب مثله للمنصوص عليه به وجبت طاعته على الوجه الّذي كان له ( عليه السلام ) ، ووجوبها على هذا الوجه يقتضي إمامته بغير نزاع . ( تقريب المعارف : 151 و 153 ) . وقال السيّد الفيروزآباديّ في فضائل الخمسة : ممّا يؤكّد أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد استخلف علياً بفعله وقوله ذلك ، وعيّنه إماماً للناس من بعده ، فضاق بذلك صدر الحارث بن النعمان فاعترض على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأجابه ( صلى الله عليه وآله ) بأنه من الله ، فلم ير الحارث بدّاً إلاّ أن يدعو على نفسه ، فدعا ونزل العذاب عليه حتّى أهلكه الله ، فلو كان مقصود النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو تبليغ الناس أنّ من كنت محبه أو ناصره أو نحو ذلك فعليٌّ كذلك لم يكن الأمر ذا أهمّية بهذه المثابة حتّى يضيق صدر الحارث بذلك ويدعو على نفسه ويهلكه الله . ( فضائل الخمسة : 1 / 447 - 448 ) . وقال السيّد شرف الدين في المراجعات أيضاً : ولا نحتجّ عليهم إلاّ بما جاء من طريقهم كحديث الغدير ونحوه ، على أنّا تتبّعنا ما انفرد به القوم من أحاديث الفضائل فما وجدنا فيه شيئاً من المعارضة ، ولا فيه أيّ دلالة على الخلافة ، ولذلك لم يستند إليه في خلافة الخلفاء الثلاثة أحد . ( المراجعات : 259 المراجعة 52 ) . وقال الشيخ الأميني في الغدير بعد البحث في صحّة خبر الغدير : وأمّا دلالته على إمامة مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فإنّا مهما شككنا في شيء فلا نشكُّ في أنّ لفظة " المولى " سواء كانت نصّاً في المعنى الّذي نحاوله بالوضع اللغوي أو مجملةً في مفادها لاشتراكها بين معان جمَّة ، وسواء كانت عريّة عن القرائن لإثبات ما ندّعيه من معنى الإمامة أو محتفّة بها فإنّها في المقام لاَ تدلّ إلاّ على ذلك لفهم مَن وعاه من الحضور في ذلك المحتشد العظيم ، ومَن بلغه النبأ بعد حين ممّن يُحتجُّ بقوله في اللغة من غير نكير بينهم ، وتتابع هذا الفهم فيمن بعدهم من الشعراء ورجالات الأدب حتّى عصرنا الحاضر ، وذلك حجّةٌ قاطعةٌ في المعنى المراد . ( الغدير : 1 / 340 ) . كما يقول في نفس المصدر : ومن العجب تأويل هذا الحديث وهو نصٌّ في الإمامة ووجوب الطاعة ، ويشهد العقل السليم بفساد ذلك التأويل ; كما يأباه الحال والمقام وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : " ألست أولى منكم بأنفسكم " بعد نزول قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ . . . ) وأمثال ذلك ! ! فغفل أصحاب التأويل من معنى قول أبي الطيّب : وهبني قلت : هذا الصبح ليلٌ * أيعشى العالمون عن الضياء ؟ ونزيد هذا بياناً للعلاّمة المجلسي - وهو مبنيّ على تقدير كون المولى بمعنى المحبّ والناصر - ( الغدير : 11 / 218 ) . حيث يقول ( رحمه الله ) : وأيضاً نقول : على تقدير أن يراد به المحبّ والناصر أيضاً يدلّ على إمامته ( عليه السلام ) عند ذوي العقول المستقيمة والفطرة القويمة بقرائن الحال ، فإنّا لو فرضنا أنّ أحداً من الملوك جمع عند قرب وفاته جميع عسكره وأخذ بيد رجل هو أقرب أقاربه وأخصّ الخلق به وقال : من كنت محبّه وناصره فهذا محبّه وناصره ثمّ دعا لمن نصره ووالاه ولعن من خذله ولم يواله ، ثمّ لم يقل هذا لأحد غيره ولم يعيّن لخلافته رجلا سواه . فهل يفهم أحد من رعيّته ومن حضر ذلك المجلس إلاّ أنّه يريد بذلك استخلافه وتطميع الناس في نصره ومحبّته وحثّ الناس على إطاعته وقبول أمره ونصرته على عدوّه ؟ ( بحار الأنوار : 37 / 242 ) . كما قال ما يشابه ذلك الشيخ الأميني في الغدير : 1 / 365 - 366 فراجع إن شئت . وقال السيّد شرف الدين - جواباً لكلام ابن حجر في الصواعق : إنّ عليّاً كان إماماً بحكم حديث الغدير ، ولكن كان مبدأ إمامته بيعة الأُمّة له - : وأنت - نصر الله بك الحقّ - تعلم أن لو تمّت فلسفة ابن حجر وأتباعه في حديث الغدير لكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) كالعابث يومئذ في هممه وعزائمه - والعياذ بالله - الهاذي في أقواله وأفعاله - وحاشا لله - إذ لا يكون له - بناءً على فلسفتهم - مقصد يتوخّاه في ذلك الموقف الرهيب ، سوى بيان أنّ علياً بعد وجود عقد البيعة له بالخلافة يكون أولى بها ، وهذا معنى تضحك من بيانه السفهاء ، فضلا عن العقلاء ، لاَ يمتاز - عندهم - أمير المؤمنين به على غيره ، ولا يختصّ فيه - على رأيهم - واحد من المسلمين دون الآخر ، لأنّ كلّ من وجد عقد البيعة له كان - عندهم - أولى بها ، فعلّي وغيره من سائر الصحابة والمسلمين في ذلك شرع سواء ، فما الفضيلة الّتي أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، يومئذ أن يختصّ بها علياً دون غيره من أهل السوابق إذا تمّت فلسفتهم يا مسلمون ؟ أمّا قولهم بأن أولوية عليّ بالإمامة لو لم تكن مآلية لكان هو الإمام مع وجود النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فتمويه عجيب وتضليل غريب ، وتغافل عن عهود كلّ من الأنبياء والخلفاء والملوك والأمراء إلى مَن بعدهم ، وتجاهل بما يدلّ عليه حديث : " أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي " وتناس لقوله ( صلى الله عليه وآله ) في حديث الدار يوم الإنذار : " فاسمعوا له وأطيعوا " ونحو ذلك من السنن المتظافرة . على أنّا لو سلّمنا بأن أولوية عليّ بالإمامة لاَ يمكن أن تكون حالية لوجود النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلابدّ أن تكون بعد وفاته بلا فصل ، عملا بالقاعدة المقرّرة عند الجميع ، أعني حمل اللفظ - عند تعذر الحقيقة - على أقرب المجازات إليها كما لاَ يخفى . ( المراجعات : 283 - 284 المراجعة 60 ) . وانظر المعيار والموازنة : 210 - 212 ، والرسائل العشر : 133 - 138 ، تقريب المعارف : 151 - 158 ، وكشف الغمّة : 1 / 62 ، وإعلام الورى : 169 - 170 ، وكشف المراد : 396 و 419 - 420 ، والطرائف : 139 - 142 ، واللوامع الإلهية : 278 ، والصراط المستقيم : 1 / 300 ، وحق اليقين : 1 / 255 ، وفضائل الخمسة : 1 / 356 - 443 ، والمراجعات : 264 و 278 ، ومعالم المدرستين : 1 / 145 . قال الإسكافي : وآخر الحديث أيضاً يدلّ على أنّ ذلك لم يكن لما ذكروه من العلّة وهو قوله : " اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه " وهذا كلّه يدلّ على ما قلناه من تقدّمه على الناس في الدين ، وتفضيله العالمين ، وأنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) إنما اختاره لعلمه بانّه لاَ يكون منه تغيير ولا تبديل ، وأنّ حاله واحدة ، متّصلة عداوته بعداوة الله ، وولايته بولايته ، كما اتّصل ذلك من النبي ( صلى الله عليه وآله ) . ( المعيار والموازنة : 212 ) . وقال العلاّمة المجلسي : وأمّا ما زعم بعضهم من أنّ قوله ( صلى الله عليه وآله ) : " اللّهمّ والِ من والاه " قرينة على أنّ المراد بالمولى الموالي والناصر فلا يخفى وهنه ، إذ لم يكن استدلالنا بمحض تقدّم ذكر الأولى حتّى يعارضونا بذلك ، بل إنّما استدللنا بسياق الكلام وتمهيد المقدّمة والتفريع عليها وما يحكم به عرف أرباب اللسان في ذلك . وأمّا الدعاء بموالاة من والاه فليس بتلك المثابة ، وإنّما يتمّ هذا لو ادّعى أحد أنّ اللفظ بعدما أُطلق على أحد معانيه لاَ يناسب أن يُطلق ما يناسبه ويدانيه في الاشتقاق على معنى آخر ، وكيف يدّعي ذلك عاقل مع أنّ ذلك ممّا يعدّ من المحسّنات البديعية ؟ بل نقول تعقيبه بهذا ، يؤيّد ما ذكرناه ويقوّي ما أسّسناه بوجوه : الأوّل : أنّه لمّا أثبت ( صلى الله عليه وآله ) له الرئاسة العامّة والإمامة الكبرى وهي ممّا يحتاج إلى الجنود والأعوان وإثبات مثل ذلك لواحد من بين جماعة ممّا يفضي إلى هيجان الحسد المورث لترك النصرة والخذلان لاَ سيّما أنّه ( صلى الله عليه وآله ) كان عالماً بما في صدور المنافقين الحاضرين من عداوته وما انطوى عليه جنوبهم من السعي في غصب خلافته ( عليه السلام ) أكّد ذلك بالدعاء لأعوانه واللعن على من قصّر في شأنه ، ولو كان الغرض محض كونه ( صلى الله عليه وآله ) ناصراً لهم أو ثبوت الموالاة بينه وبينهم كسائر المؤمنين لم يكن يحتاج إلى مثل تلك المبالغات والدعاء له بما يدعى للأُمراء وأصحاب الولايات . والثاني : أنّه يدلّ على عصمته اللازمة لإمامته ( عليه السلام ) لأنّه لو كان يصدر منه المعصية لكان يجب من يعلم ذلك منه منعه وزجره وترك موالاته وإبداء معاداته لذلك ، ودعاء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لكلّ من يواليه وينصره ولعنه على كلّ من يعاديه ويخذله يستلزم عدم كونه أبداً على حال يستحقُّ عليها ترك الموالاة والنصرة . والثالث : أنّه إذا كان المراد بالمولى الأولى - كما نقوله - كان المقصود منه طلب موالاته ومتابعته ونصرته من القوم ، وإن كان المراد الناصر والمحبّ كان المقصود بيان كونه ( عليه السلام ) ناصراً ومحبّاً لهم ، فالدعاء لمن يواليه وينصره واللعن على من يتركهما في الأوّل أهمّ وبه أنسب من الثاني ، إلاّ أن يؤوّل الثاني بما يرجع إلى الأوّل في المآل كما أومأنا إليه سابقاً . ( بحار الأنوار : 37 / 247 - 248 ) . قال أبو حامد الغزالي في كتاب سرّ العالمين على ما ذكره المجلسي في البحار بعد البحث في تحقيق أمر الخلافة وذكر الاختلاف : لكن أسفرت الحجّة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته ( صلى الله عليه وآله ) في يوم غدير خمّ باتّفاق الجميع وهو يقول : " من كنت مولاه فعليٌّ مولاه " فقال عمر : " بخ بخ لك يا أبا الحسن ، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة " فهذا تسليم ورضا وتحكيم ، ثمّ بعد هذا غلب الهوى بحبّ الرئاسة ، وحمل عمود الخلافة ، وعقود البنود ، وخفقان الهواء في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى ، فعادوا إلى الخلاف الأوّل ، فنبذوا الحقّ وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلا فبئس ما يشترون . ( بحار الأنوار : 37 / 251 - 252 ) . وقال السيّد شرف الدين في المراجعات بعد ذكر تهنئة أبي بكر وعمر لعليّ ( عليه السلام ) : فصرّحا بأنه مولى كلّ مؤمن ومؤمنة على سبيل الاستغراق لجميع المؤمنين والمؤمنات منذ أمسى مساء الغدير ، وقيل لعمر : إنك تصنع لعلّي شيئاً لاَ تصنعه بأحد من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : إنه مولاي . فصرّح بأنه مولاه ، ولم يكونوا حينئذ قد اختاروه للخلافة ، ولا بايعوه بها ، فدلّ ذلك على أنه مولاه ، ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة بالحال لاَ بالمآل ، منذ صدع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بذلك عن الله تعالى يوم الغدير . واختصم أعرابيان إلى عمر ، فالتمس من عليّ القضاء بينهما ، فقال أحدهما : هذا يقضي بيننا ؟ ! فوثب إليه عمر وأخذ بتلابيبه وقال : ويحك ما تدري من هذا ؟ هذا مولاك ومولى كلّ مؤمن ، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن . والأخبار في هذا المعنى كثيرة . ( المراجعات : 282 المراجعة 60 ) . وقال العلاّمة الحلّي : الإمام ركن من أركان الدين ، لأنّ قوله مبدأ من المبادئ ، وهو الحافظ للشرع والعامل به والّذي يلزم العمل به ، فإذا كان معصوماً كان الدين كاملا ، وان لم يكن معصوماً لم يكن الدين كاملا ، لكن قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) فدلّ على ثبوت إمام معصوم بالضرورة . ( الألفين في إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : 355 ) . وقال ابن البطريق في الخصائص : إذا كان دين الأُمة لم يكمل إلاّ بولايته ونعمة الله تعالى لاَ تتمّ على خلقه إلاّ بها ولا يرضى الله تعالى الإسلام ديناً لخلقه إلاّ بها ، فقد تضيّق وجوبها على كافّة أهل الإسلام تضييقاً عليه إجماع الاسلام ، وقامت مقام كلّ طاعة لله تعالى ، إذ لو كان المسلم عليها ولم يأت بولايته ( عليه السلام ) لم يرض الله تعالى إسلامه ديناً ولم يكمل دينه عند الله تعالى ، ومع عدم كمال دين الإنسان وعدم رضا إسلامه عند الله تعالى لم يتمّ الله تعالى نعمته عليه ، ومَن يُعن بهذه الأمور فقد خسرت صفقته وظهرت خيبته . ( الخصائص : 65 ) . وقال العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم : الأُمّة بعد النبيّ إمّا أن تحتاج إلى الإمام فيجب في حكمة الله نصبه وقد فعل كما وجب فيها نصب النبيّ ، أو لاَ تحتاج فالاختيار عبثٌ وتصرُّفٌ بغير أمر مالك الأمر . وأيضاً فالإمامة إن لم تكن من الدين فليس لأحد أن يُدخل في الدين ما ليس منه ، وإن كانت منه ، فإن كان الله سكت عنها كان مخلاّ بالواجب ، وهو قبيح ونقص ، وإن فعلها بطل الاختيار ، وقد فعلها يوم نصب النبيُّ عليّاً علماً فأنزل سبحانه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) فإن بقي بعد ذلك شيء من الدين كان الله تعالى كاذباً ، تعالى الله عن ذلك ، وإن لم يبق لزم المطلوب . ( الصراط المستقيم : 1 / 78 ) . قال ابن البطريق في بيان الوجوه المستخرجة من الحديث : فقد أثبت النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) لعليّ ( عليه السلام ) ، جميع منازل هارون من موسى ، إلاّ ما أخرجه الاستثناء من النبوّة ، وأخرجه العرف من الاخوّة ، وقد ثبت أن منازل هارون من موسى كانت أشياء : منها : أنه كان أخاه لأُمّه وأبيه ، وشريكه في نبوّته ، وأحبّ القوم إليه ، وممّن شدّ الله تعالى به أزره ، وكان مفترض الطاعة على أُمّته وخليفته على قومه . فأمّا كونه أخاه فشاهده بالنسب من الكتاب العزيز ، قوله تعالى : ( وَقَالَ مُوسَى لأَِخِيهِ هَرُونَ اخْلُفْنِى ) [ الأعراف : 142 ] وقول هارون : ( قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى ) [ الأعراف : 150 ] . وأمّا شاهده بالشركة في النبوّة فقوله تعالى حاكياً عن موسى ( عليه السلام ) : ( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِى ) [ طه : 32 ] . وأما كونه أحبّ القوم إليه فممّا لاَ يحتاج إلى الاستشهاد ، لأنّ الأخ من أب وأُم إذا كان شريكه في أمره ونبوّته وخليفته في قومه وممّن شدّ الله عضده به فمعلومٌ ضرورة ، أنه يكون أحبّ القوم إليه . ( العمدة : 137 - 138 ) .

263

نام کتاب : الفصول المهمة في معرفة الأئمة نویسنده : علي بن محمد أحمد المالكي ( ابن الصباغ )    جلد : 1  صفحه : 263
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست